بدأ فيروس كورونا بالانتشار في العراق نهاية (شباط/ فبراير ٢٠٢١)، وزاد الوباء سوءاً بتقاعس الحكومة على مختلف المستويات، بما في ذلك توعية الجمهور بمخاطر الفيروس (المعروفة)، وعدم إغلاق الحدود. أخيراً قررت الحكومة فرض حظر تجوّل في (١٧ آذار/ مارس ٢٠٢٠).

وكان المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر قد أكد في وقت سابق في (٤ آذار ٢٠٢٠) أن “الوضع الصحي في العراق يزداد سوءاً؛ بسبب قلة التخصيصات المالية، و”هذا النقص في الإنفاق يضعف جهودنا لمواجهة الوباء”، مضيفا أنه “رغم هذا العجز الحكومي، يجب أن نعترف بأن وزارة الصحة واجهت الوباء كما ينبغي”.

وخلال انتشار كوفيد ١٩، تم الإبلاغ عن العديد من حوادث الاعتداء على الأطباء وموظفي المستشفيات من قبل أسر المرضى. أدت الحوادث المتكررة إلى قيام الطاقم الطبي بالتظاهر في (٧ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٠)، للمطالبة بتفعيل قانون حماية الأطباء (المادة 6 من الدستور العراقي)  كما طالبوا بتعيين خريجي الدفعات الطبية من عام (٢٠١٩) الذين لم يتم تعيينهم في المستشفيات والمراكز الصحية. وعلى الرغم من الإضرابات المتكررة والاحتجاجات، لم يتم تلبية هذه المطالب.

تعجيل المبادرات

كان النقص في الأجهزة التنفسية وغيرها من المعدات الطبية كالبدلات الواقية والكمامات والقفازات هو الواقع الغامر لمعظم المستشفيات العراقية وفي جميع المحافظات، لكن المحافظات الجنوبية لها خصوصيتها؛ بسبب ارتفاع مستويات الفقر. وهناك أيضاً نشأت بعض المبادرات الاجتماعية من قبل فاعلي الخير المحليين.

مدينة (السماوة) هي مركز محافظة المثنى (جنوب غرب العراق)، أفقر المحافظات العراقية، وفيها وصل سعر الكمامة إلى (1.5 دولار للقطعة الواحدة). لمواجهة هذه التكاليف الباهظة للغاية، بدأ الخياط العراقي جواد السماوي بخياطة وتوزيع الكمامات مجانًا. 

قرر السماوي شراء نسيج طبي بقيمة (١٠٠ دولار) ونجح بصناعة (٦٠٠٠ كمامة) أسبوعياً، ومن ثم توزيعها بالمجان على أبناء المحافظة من خلال مجموعة من الشباب المتطوعين.

الخياط جواد السماوي يتحدث عن دوره الإنساني الذي لعبه مع انتشار وباء كورونا في العراق لـ (الخط الاحمر)، ويقول: “وظفتُ مهنتي لصالح مدينتي مع بداية انتشار الوباء؛ لأنني وجدت أن هذا الامر واجباً عليّ فعله”.

وبحسب مرضى المستشفيات في محافظة المثنى، فإن المستشفيات التعليمية والمراكز الطبية في المحافظة عانت من “انهيار شبه كامل في بنيتها التحتية، ناهيك عن ضعف الخدمات الصحية المقدمة للمرضى”.ولم تعلق دائرة صحة المثنى على الاتهامات الموجهة من قبل المرضى. وبدلاً من ذلك، قال الدكتور باسل صبر، مدير دائرة الصحة في المحافظة: إن “جميع المستشفيات العراقية شهدت انهياراً شبه كامل؛ بسبب عدم وجود مخصصات مالية كافية”، مشيدًا في الوقت نفسه بالمبادرات “المتخذة للتضامن والتعاون بين الناس”.

لا شيء سوى التضامن

في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمالاً) التي عانت من الانهيار التام في كل شيء، ودُمّرت بشكل كبير بسبب الحرب ضد داعش ولم تتعافَ منها، لم يكن التكافل مقتصراً على تقديم المعدات الطبية وتوفيرها في المستشفيات، بل جسّد البعض نوعاً آخرَ من التكافل، من خلال بث مجموعة من حملات التوعية والتثقيف لأبناء المدينة بما يخص الوباء، يقول صقر هاشم ناشط وإعلامي (26 عاماً، في حديث لـ (الخط الأحمر): “عملي هذا جاء طوعياً مع عدد من أبناء جيلي بدافع حبنا لمدينتنا”.

في ذات الوقت، شهدت مدينة الموصل مبادرات إنسانية أخرى، مثل مبادرة الشاب عبد العزيز الصالح (٢٩ عاماً) وزملائه (الستة) الذين قّدموا المعدات الطبية والمساعدات لأهالي المدينة. وأوضح الصالح عند شرح دوافع مبادرتهم أن “هناك ثلاث مستشفيات في الموصل، وهذه المستشفيات تعاني من نقص في الأوكسجين والأسرّة والأدوية ومعدات الوقاية”.

وبحسب وزارة التخطيط العراقية، فإن معدل الفقر في الموصل يتجاوز نسبة (٣٧.٧٪) من سكانها، بالإضافة إلى وجود سرير طبي واحد لكل ثلاثة آلاف مريض. كما وأدى انتشار الوباء إلى زيادة مستوى الفقر في المدينة، مع زيادة حالات الإهمال من قبل الطاقم الطبي المتشتت. وكانت منظمة أطباء بلا حدود تدير مستشفى للجراحة، التي تضم (٢٦ طبيباً) لمساعدة المرضى هناك.

علاوة على ساعات عملهم، يذكر الطاقم الطبي قيامه بمبادرات تطوعية لتخفيف معاناة الناس في الموصل: “علاوة على أنشطتنا الطبية، كان هناك جهد إنساني ضخم خارج ساعات عملنا”.

وتوضح سرور الحسيني بأن “العديد من الكوادر الطبية في الموصل تطوعوا لمساعدة المرضى، وتبرع كثيرون بأجهزة قياس عملية الأكسجة والأوكسجين في الدم. كما قاموا بتوزيع الأدوية للمرضى الذين يفضلون البقاء في المنزل”.

في ذروة وباء كورونا، كل شيء في الموصل أصبح عبارة عن تكافل اجتماعي، وأبناء هذه المدينة ما عادوا ينتظرون من يداوي جراحهم، وحاولوا هم بأنفسهم تطبيبها.

 بالإضافة إلى الدعم الصحي، قدم المتطوعون أيضاً الطعام وسلال الغذاء للمحرومين، وقالوا: “لم يكن التعاون على المستوى الطبي فقط؛ كما قامت فرق الناشطين أيضاً بتوزيع سلال غذائية بانتظام لمساعدة الفقراء الذين أصبحوا أكثر ضعفاً بسبب فيروس كورونا”. الناشط عمار إياد متحدثاً للخط الأحمر.

شحة المياه

علاوة على الفقر والعنف الأسري والجوع وندرة الإمدادات الطبية، عانى المواطنون من تدهور جودة مياه الشرب وتوزيعها، بعد فرض حظر التجول من قبل الحكومة. 

في محافظة واسط على سبيل المثال، أدى حظر السفر بين المحافظات إلى إعاقة توصيل المنتجات الغذائية ومياه الشرب، مما أدى إلى تضاعف أسعارها. كان التأثير شديداً بشكل خاص في المناطق الفقيرة من المحافظة. شجّعت الأزمة بعض المتطوعين على التعاون وأخذ زمام المبادرة. لذلك تجمع فريق من (٣٠ شخصاً) وبدأوا بنقل مياه الشرب، حيث قام الفريق بتسليم أكثر من (٤٠٠٠ لتر) من المياه الصالحة للشرب بشكل يومي.

 لقد نجحنا في التخفيف بشكل كبير من احتياجات المياه في المناطق الفقيرة والأحياء الفقيرة. كما قام فريقنا بتوزيع سلال غذائية وتعاون مع إدارة المحافظة لتطهير الشوارع والمنازل “. أوضح الناشط آيار توماز الشمري البالغ من العمر (٤٠ عاماً)، 

الشمري واصل هو وفريقه العمل التطوعي بتوزيع زجاجات الأوكسجين على المرضى الذين يتعافون في منازلهم، والذين أدى النقص في المستشفيات العامة إلى استحالة حصولهم على العلاج في المستشفيات.

المواجهة مع الأخبار الكاذبة

أحد الجوانب المهمة للوباء الذي لم يتجاهله المتطوعون هو تفنيد الأخبار المزيفة التي تدور حول فيروس كورونا، حيث قامت العديد من المبادرات في جميع أنحاء العالم بمواجهة الأخبار المزيفة والإحصائيات المضللة. تضمنت هذه الاخبار معلومات خاطئة عن أصول الفيروس، وطرق انتقاله، وصولاً إلى ما يسمى بنظريات المؤامرة، التي لا توصف، وراء حملات التلقيح القادمة.

في ذات السياق، ومنذ بداية انتشار فيروس كورونا في العراق، بدأت الدكتورة رغد السهيل، الكاتبة والباحثة في علم الفيروسات، بتقديم المشورة الطبية للناس من خلال إطلاق حملة توعية حول الوباء وقالت: “بدأت محاولتي لتثقيف الجمهور العراقي من خلال صفحتي على الفيسبوك، مستفيدةً من عدد المتابعين والأصدقاء لديّ، ولأنني باحثة في مجال علم الفيروسات. ساعدتني معلوماتي الأكاديمية كثيراً في هذه الحملة التوعوية”.

بدأت السهيل حملتها بالإشارة إلى أهمية ارتداء الأقنعة والقفازات الطبية الواقية. وتطرّقت أيضاً إلى أهمية تعقيم أكياس التسوق والأطعمة والخضروات، فضلاً عن الحاجة إلى التباعد الاجتماعي، مضيفة في حديثها لـ (الخط الأحمر): “كان الدافع وراء حملة التوعية هو قلقي على أبناء بلدي وكذلك إحساسي بالمسؤولية تجاههم”.

مع استمرار انتشار المعلومات الكاذبة في البلاد، كانت رغد السهيل من أوائل من تعاملوا مع مخاطر الشائعات الكاذبة والأضرار التي قد تسببها في المجتمع. كما سلطت السهيل ونشطاء آخرون الضوء على مخاطر استهداف الطاقم الطبي وإلقاء اللوم عليهم في النتائج السيئة للنظام الصحي في العراق.

قطاع صحي منهار

في ظل انهيار الواقع الصحي بالعراق، والذي كشف عنه انتشار وباء كورونا، الذي أظهر مدى انهيار البنى التحتية الخاصة بالمجال الصحي في العراق، فمع استفحال كورونا، نشر عدد من الأطباء العاملين في مستشفيات دائرة صحة بغداد/ الكرخ، صور معدات وقائية وبدلات وقاية طبية منتهية الصلاحية، هذا ما أكدته عاتكة، الممرضة في مستشفى اليرموك والتي تم نقلها في ما بعد الى مستشفى آخر؛ لأنها نشرت عبر (فيس بوك) عن مشاكل المعدات الطبية منتهية الصلاحية، ليتم نقلها الى مستشفى الطارمية في ضواحي بغداد.

من جانبه، لم ينفِ الدكتور جاسب الحجامي، مدير دائرة صحة بغداد/ الكرخ، ما حصل مع الممرضة (عاتكة) وقال لـ الخط الأحمر: “نتجنب إحداث البلبلة وإرباك المواطنين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد على المواطنين عدم الانجراف خلف ما ينشر عبر مواقع التواصل؛ لأنها تؤدي إلى تصعيد الأوضاع والمبالغة بنقل الصورة. كما أن البعض ينقل الأمر من زاويته الخاصة متغاضياً عن بقية الزوايا المنطقية”.

ومع هذا الانهيار الذي تشهده كافة مستشفيات العراق، من حيث الضعف بالأداء، وقلة توفير أجهزة الأوكسجين، والاوكسيميتر، وكذلك غياب المعدات والأدوات الطبية، ناهيك عن قلة عدد الأسرّة وغيرها من النقوصات التي يعانيها الواقع الصحي، فضلاً عن انتشار الفقر واستفحاله مع استمرار فرض حظر التجوال في العراق، كل هذا دفع العديد من المتطوعين إلى اتباع مبدأ التكافل الاجتماعي خلال الأزمات متغاضين عما يقع على عاتق الدولة من واجبات.

ويبدو أن الجائحة كشفت عن فشل حكومي واضح بكيفية إدارة الأزمة في أغلب مفاصل الدولة، فمنذ ظهور فيروس كورونا في العراق، أظهرت المعالجات الحكومية التي وضعتها لمكافحة الوباء، عجزاً مؤسساتياً في مواجهة الحالات الطارئة، في ظل بنىً تحتية متهالكة وفساد مستشرٍ في معظم المفاصل الحيوية، وفيما أشّر إلى خلل بنيوي في أسس بناء الدولة ما بعد 2003.

VIAزينب المشاط