20 عاما من الإرث السام: الأثر المميت لمخلفات الحرب في ذي قار

كل سنة تقتل “مخلفات الحرب القابلة للانفجار” أعداداً  كبيرة من المدنيين أو تصيبهم بجروح. وهذه المخلفات هي الأسلحة غير المنفجرة التي تترك بعد نـزاع مسلح، مثل قذائف المدفعية والهاون والقنابل اليدوية والقنابل والصواريخ. وقد اعتمد المجتمع الدولي عام 2003 معاهدة للمساعدة على الحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار وتقديم مساعدة سريعة إلى المجتمعات المحلية المتضررة.

بيانات دولية:

 ’’تسعة أطفال من كل شهر تعرضوا للقتل والتشويه في غضون الخمس سنوات الماضية جراء آثار مخلفات الحرب الامريكية على العراق’’

لم يكن موسم رعي الاغنام لعام 2013 للحاج سالم ناصر موسماً ربيعياً بقدر ما كان موسماً محزناً عليه عندما تواردت الى مسامعه انباء عن مصرع احد الرعاة ممن يقطنوا بالقرب منه نتيجة انفجار احد المخلفات الحربية في بادية جنوب ذي قار.

الرجل الذي تجاوز عمره الستين عام التقط صوت الانفجار من على مسافة بعيدة، وما ان حاول الاستعلام ابلغوه بما حصل ليذهب الى موقع الحادث ويجد اشلاء ذلك الشاب الذي خرج للرعي لمساعدة ابيه الا انه دخل في الأرض الملوثة من المقذوفات والمخلفات الحربية.

سالم الذي عَرف مداخل ومخارج البادية، يحاول جاهداً ان يتبعد عن المناطق المشتبه بها من ان تكون ملوثة، كي يقي نفسه ومواشيه من اي اذى، فهو يحرص على تغذية تلك الاغنام وسقيها بمياه العيون والجداول من دون خسائر.

ولم يقتصر الامر على رعاة الاغنام خلال فترة الربيع، بل حتى جامعي نبات ” الكمأ” الذي هو يصنف كنوع من النباتات الفطرية، وينبت في المناطق المفتوحة معتمداً على غيث السماء وتغذية الارض من سمادها، اذ ان موسمه يكون خلال نهاية فصل الشتاء، واسعاره تصل الى 40 الف دينار للكيلو غرام الواحد وهو مصدر مالي لأرباب البادية ومن عرف طبيعة هذه البيئة، الا ان جامعي هذا النبات لم يكونوا في مأمن من تلك المخلفات والمقذوفات الحربية، اذ يقول “ابو محمد” دائماً ما يذهب الى البوادي لجمع “الكمأ” فعلى الرغم من معرفته السابقة بهذه المنطقة وعاش بارض مفتوحة وتنقل بين بواديها ولكن الخوف يلازمه عندما يذهب ويعمل على توخي الدقة في مسارات الطرق التي لم تسلك من قبل اذ سجلت حوادث في سنوات ماضية بمقتل عدد منهم واصابة اخرين.

مقاضاة التحالف الدولي عبر المحاكم العراقية

’’ اغلب المتضررين من رعاة الاغنام، ولا يعلمون بمكان المخلفات الحربية’’

محمد عطار من سكان قضاء سيد دخيل شرق الناصرية احد ضحايا المخلفات الحربية تعرض لبتر كف اليد اليمنى و15 اصابة في جسمه نتيجة انفجار مخلف حربي عام 1995 عندما كان في الـ 12 سنة من عمره وهو برفقة ابيه آنذاك يعملون على استصلاح الأراضي الزراعية في قضاء سفوان اقصى جنوب البصرة، وفي صبيحة احد ايام تشرين الاول قام بمسك جسم غريب لا يتجاوز طوله 5 سنتيمتر، لينفجر ونقل على اثره الى المستشفى، وتم بتر كف يده اليمنى، وفي كانون الثاني من العام الحالي 2023 تقدم بشكوى اصولية في محكمة سفوان ضد قوات التحالف آنذاك والذي بسبب تعرضه الى الضرر، وفي العام ذاته 1995،  “محمد” في السنة التي أصيب بها فقد اولاد خاله اثنين اعمارهم تتراوح ما بين 12 و 14 سنة اثناء ما كانوا برفقة والدهم لرعاية الاغنام في منطقة الجبيلة جنوب الناصرية المحاذية لمدينة البصرة، حيث انفجرت عليهم “قنبلة عنقودي” لم يترك لهم اثر واضح سوى أجساد متفحمة.

وخاض النظام الحاكم في العراق حروباً متعددة مع دول الجوار والتحالف الدولي، اولها مع الجارة ايران استمرت لثمان سنوات، ومن بعدها عام 1991 عندما قام النظام باحتلال الكويت وعلى اثرها تدخلت الولايات المتحدة الامريكية، وحشدت القوات الدولية لتحرير الكويت وضرب البنى التحتية للعراق وتدمير جيشه، واخرها احتلال الولايات المتحدة الامريكية للعراق عام 2003 وفي جميع هذه الحروب زادت من اعداد المقذوفات الحربية في المناطق المحيطة بالمدن وخصوصاً جنوب العراق.

رئيس الجمعيات الفلاحية في ذي قار السابق مقداد الياسري يجد ان المناطق التي فيها مخلفات حربية او قنابل عنقودية عادة ما تكون في البادية الجنوبية “وأكثر المتضررين فيها هم من رعاة المواشي او ممن يذهبون لجمع الكمأ”، فاغلب الأشخاص الذين يذهبون الى هناك لا يعلمون بمكان هذه المخلفات الحربية وسجلت المحافظة العديد من ضحايا جراء هذه المخلفات الحربية اذ أودت بالبعض منهم الى الموت، وحتى الان لا يمكن استصلاحها زراعياً فالخوف يلازم الفلاحين مع العلم يمكن ان تكون ذات منفعة كبيرة اذ ما تم تطهيرها من هذه المخلفات وبالتالي زراعتها والاستفادة منها.

اكثر من 98 مليون متر مربع في ذي قار ملوثا بالمخلفات الحربية

’’الكوادر البيئية وفرق الدفاع المدني تعمل وفقاً لمجهودها الذاتي على تطهير المناطق الملوثة’’ 

وبلغت عدد المناطق الملوثة بهذه المخلفات في محافظة ذي قار 110 منطقة تصنف على انها خطرة وبواقع مساحة اجمالية تجاوزت الـ 98 مليون متر مربع وانها ملوثة بالقنابل العنقودية ومخلفات الجيش السابق وصواريخ الطائرات، هذه الارقام اوردها رئيس المركز الاقليمي لشؤون مكافحة الالغام في جنوب العراق “نبراس فاخر” في حديث لـ “الخط الاحمر” وان الكوادر البيئية بالتنسيق مع فرق الدفاع المدني تعمل ايضاً وفقا لمجهودها الذاتي على تطهير المناطق الملوثة.

واعلنت منظمة اليونيسف الدولية في العام الماضي في بيان لها عن احصائية بأعداد الاطفال الذي تعرضوا للقتل والتشوه في عموم البلاد نتيجة المخلفات الحربية بواقع 519 طفلاً لخمس سنوات ماضية اي ان تسعة أطفال في كل شهر يتعرض للقتل او الإصابة نتيجة هذه المخلفات.

مدير الدفاع المدني في ذي قار العميد صلاح جبار بيّن للـ”خط الأحمر” ان عملهم في مكافحة الألغام والمخلفات الحربية والمقذوفات غير المنفلقة يتم من خلال الجهد الذاتي للدائرة ولا يمتلكون الأدوات الكبيرة التي تعتمدها العديد من الشركات العالمية المعنية بهذا الامر.

ويكشف عن ان عام 2022 سجل إزالة 17254 مقذوف حربي وجميعها في مناطق بادية جنوب ذي قار وتنوعت هذه المخلفات ما بين صواريخ والغام وقنابل عنقودية.

الحكومة العراقية غير مهتمة لمكافحة المخلفات الحربية 

’’مناطق جنوبي العراق ووسطه تفتقر لتواجد فرق ازالة الالغام، نتيجة اجراءات التراخيص المعقدة’’

مسؤول منظمة البصرة لمكافحة الالغام زاهر عبد الحسين يجد في حديثه “للخط الأحمر” ان هناك اهمال يمكن وصفه بالمتعمد من قبل الحكومة اتجاه هذا الملف فهم ينتظرون الدول المانحة وفي الوقت ذاته لا يمكن للمانحين ان يمنحوا لهذا الملف والموازنة السنوية للعراق تضاهي موازنة دول اخرى، وهذا الملف يتطلب ان يكون هناك تشكيل او هيئة مستقلة ذات صلاحيات واسعة مختصة بهذا الشأن وتمنح موازنة مالية، فالأمر لا يحتمل التأخير او وعكس ذلك لا حل سوى ان تقوم الحكومات المحلية بتخصيص مالي من موازناتها السنوية لإزالة المخلفات الحربية.

ويقارن “عبد الحسين” المناطق الوسطى والجنوبية، حيث لا توجد فيها فقط اربع منظمات مختصة بشؤون مكافحة الالغام اثنين منها عراقية واثنين دولية، وهذا يعود نتيجة الاجراءات الروتينية المعقدة في التراخيص التي يعملون للحصول عليها، فيما اقليم كوردستان تعمل فيه 28 منظمة دولية ومحلية ويتابع هذا الملف في حينها رئيس الاقليم نجيرفان بارزاني وتمكنوا في السنوات الماضية تطهير 95% من الاراضي الملوثة كون الجانب انساني ويتطلب اهتمام واسع.

VIAمرتضى الحدود