نصف جرحى تشرين في الناصرية من دون تعويض و200 منهم يعانون من وضع صحي متدهور وبحاجة لعمليات خارج العراق

لم يتصور سيف الدين رسول البالغ من العمر 21 عاما ان يكون مقيدا بين عصى معدني يتكئ عليها ويد اخيه التي تعينه اثناء ذهابه الى الطبيب او المدرسة بعد ما كان يذهب راجلا ولمسافات طويلة ويقضي ساعات في هوايته مباراة القدم مع اصدقاءه.

هذا الشاب الذي اصيب مرتين الاولى في بداية انطلاق الحراك الاحتجاجي في الـ 28 من تشرين الأول 2019 قرب ساحة الحبوبي حيث أصيب بحجارة في راسه اثناء الصدام مع قوات الشغب وتلقى العلاج وعاود وجوده في ساحة التظاهر والثانية عند اقتحام الساحة من قبل مسلحين عصر يوم الـ 28 من تشرين الثاني 2020 اذ انفجرت بالقرب منه قنبلة هجومية أصيب على اثرها بشضايا في جسمه وراسه ارقدته في المستشفى لخمسة عشر يوم فاقدا للوعي تسببت بشلل الشق الايمن من جسمه وتلعثم في الكلام وبقي خاضع للعلاج لأربعة اشهر حتى تمكن من الوقوف جزئيا وتحسين في مستوى النطق بعد علاج فيزيائي الذي لازال مستمرا عليه.

سيف لم يترك ساحة الحبوبي رغم اصابته وبات يعاود النظر اليها بين فترة واخرى حتى وان كانت فارغة فهي ترجع لذاكرته أيام صراع من اجل الحصول على مكسب خرج من اجله وهو تصحيح المسار الحكومي في البلاد فساحة احتجاج الحبوبي كانت سببا في استقالة حكومة عادل عبد المهدي وتقديم البعض من المتهم بقتلة المتظاهرين الى المحاكم.

ساحة التظاهر في الناصرية عُدت واحدة من اكثر الساحات سخونة من بين ساحات التظاهر في العراق حتى باتت تتحكم بمقررات ساحات الاحتجاج الاخرى فما تقوله ساحة الحبوبي يكون هو الفيصل.

هذه الساحة تعرضت لأكبر اعتداءين بارزين تسببتا بسقوط عدد من الجرحى والقتلى أولهما في السابع والعشرين من كانون الثاني 2020 وقتل فيها متظاهر واحد واصابة ما لا يقل عن 4 اشخاص وحرق عدد من الخيم والاعتداء الثاني في الثامن والعشرين من تشرين الثاني 2020 وأيضا قتل ما لا يقل عن 9 اشخاص وجرح 85 اخرين.

سيف وهو يجلس على كرسي بلاستيكي فلا يستطيع الجلوس على الارض يتحدث للخط الاحمر ان اصابته الاخيرة اجبرته على ترك الدراسة لعام 2020 وعاد من جديد في 2021 فهو طالب في السادس الاعدادي الفرع الادبي لكنه وجد بعض المعانات اثناء الالتحاق بركب الدراسة فلا يمكنه الذهاب لوحده الا بمعونة أحد اشقائه وكذلك كتابة المواد فيده اليمن شبه مشلولة الا حركة بسيطة وكذلك مستوى التذكر ضعيف مدرسوه قدموا له المساعدة بحسب ما متاح لهم من خلال إضافة وقت الامتحان ليتمكن من اكمال اجوبته، ورغم المشاكل الصحية فهو مصمم على الاستمرار للعبور الى المرحل الدراسية المقبلة.

لم يحصل على حقوقه المطلوبة وفق نصه القانون من تعويض مالي او قطعة ارض ففي كل مرة يرجئونه الى وقت اخر بعلل ومبررات يجدها غير مقنعة ففي كل مرة يتم ارجاع ملفه من بغداد بحجة عدم اكتمال ما هو مطلوب في الوقت الذي اثقلته المصاريف الشهرية اذ ينفق بمعدل شهري للعلاج الفيزيائي قرابة الـ 200 الف دينار، سيف لا يريد سوى استحقاقه وفق قانون مؤسسة الشهداء وينتظر بان تتخذ الحكومة قرارا لغرض ايفاده خارج العراق من اجل اكمال عمليته الجراحية وهذا الامر ضمن واجبات الحكومة اتجاهه بحسب قوله.

سيف خضع لعدة عمليات أحدهما ببغداد والأخرى في تركيا عندما تم تسفيره لغرض العلاج خلال حكومة الكاظمي وان التقرير الطبي تضمن اجراء عملية إضافية أخرى في تركيا أيضا ولكن بعد تغير الحكومة اصبح موعد العملية في مهب الريح فكما هو معروف ان كل حكومة تنسخ قرارات وقوانين وإجراءات الحكومة التي سبقتها فلا زال ينتظر ان تعاود الحكومة المركزية بايفاده لغرض اكمال علاجه.

شقيقه نشأت رسول والذي تكفل بمراجعة الدوائر الحكومية يبين ان التأخير في اكمال المعاملة دفعهم الى تحقيق موعد مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي ولكن من دون نتيجة ومن ثم محمد شياع السوداني واصدر توصيات بإكمال معاملات الجرحى بأسرع وقت ومضى على المقابلة ثلاثة اشهر من دون نتيجة او تحريك للطلب ولعل الامر يتطلب منا العودة للتظاهر كي يجبر الحكومة على تلبية مطالبهم وهذا مما لا نحبذه بان نرجع الى المربع الأول.

متظاهرا اخر وهو سيف ماجد البالغ من العمر 23 عام  فقد ذراعه نتيجة اصابته في مواجهة مع القوات الامنية في الثاني من تشرين الاول 2019  تحدث للخط الأحمر وهو جالسا في منزل وهو جالس في منزل مستشار المحافظ لشؤون الجرحى للحديث معه عن امكانية انجاز معاملته التي مضى عليها عامين من دون الحصول على حقوق كانت اصابته بطلق ناري في المرفق لليد اليسرى ونقل على اثرها الى المستشفى ليضطر الاطباء اتخاذ قرار ببترها فوق المرفق وبقي على هذا الحال حتى تم ايفاده في حكومة الكاظمي الى دولة الامارات لعله يحصل على طرف صناعي حساس يتحكم به عن طريق الاعصاب ولكن دون جدوى فما حصل عليه طرف ميكانيك وطلبه للطرف الحساس لا يتوفر سوى في المانيا.

الشاب سيف بقي حبيس الدار من دون عمل بعد ان كان نجارا في تصميم قوالب الخشب للصب  الكونكريتي وكان اليد اليمنى لوالده في هذا العمل وانتهى به الامر ان يرمي ثقله على والده الحكومة المركزية لم تلتفت اليه حتى الان بإيجاد فرصة عمل يمكن ان تعينه وفق تأهيله العلمي فهو لا يمتلك سوى شهادة الابتدائي.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مؤخرا اصدار توجيه بتسريع اجراءات التحقيق في الاحداث التي رافقت تظاهرات تشرين 2019 وما بعدها وجاء في نص البيان الذي اصدره “ممن لديهم شهادات (عينية حصراً) تخص الأحداث الناتجة عنها وقائع جنائية رافقت أحداث تظاهرات تشرين عام 2019 وما بعدها، للحضور أمام اللجنة لتدوين أقوالهم وأكد السيد رئيس مجلس الوزراء أنّ نتائج لجنة تقصي الحقائق سيجري عرضها في مؤتمر يُخصص لهذا الغرض، التزاماً بالبرنامج الحكومي، وإيفاءً بوعودنا لمتظاهري تشرين”.

احتجاجات تشرين 2019 التي اجتاحت 15 محافظة عراقية عطلت العمل في المؤسسات الحكومية واربكت وضع الحكومة الا ان تظاهرات الناصرية اختلفت عن بقية المدن فمنذ اللحظات الأولى شكلت منعطفا في الحراك الاحتجاجي اذ تعد المدينة الوحيدة التي تمكن محتجوها من حرق مقار الأحزاب والتيارات السياسية حتى بات يطلق عليها مدينة منزوعة الأحزاب فلم يبقى أي مسمى لتلك الأحزاب التي حكمت العراق منذ عام 2003 وحتى الان وبقيت  مقارها على حالها حتى الان ومضت الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين 2021 من دون أي دعاية رفعت عدا الأحزاب التشرينية وكانت الدعايات محدودة الانتشار بسبب مستوى الدعم المالي لهم.

الناصرية لم تهدأ بعد ان انتهت تظاهرات تشرين فلا يمض أسبوعا الا وتجد هناك تظاهرات على واقع المشاريع او احتجاجا على القرارات السياسية.

ذي قار سجلت خلال الفترة المحصورة ما بين تشرين الأول 2019 وحتى تشرين الثاني 2020  1287 جريح أي بمعدل 3 جرحى في كل يوم وفق ما تحدث به “للخط الاحمر” مستشار محافظ ذي قار لشؤون الجرحى علي مهدي عجيل وان اصاباتهم متباينة بين خفيفة ومتوسطة وخطرة والبعض منهم تعرض للشل النصفي والاخر تسبب بان يكون مقعد والبعض فقد ذكوريته واجريت عمليات جراحية لـ 400 منهم وفق الدعم الذاتي من خلال التنسيق مع المستشفيات الاهلية وبعض الاطباء ومستشفيات العتبة الحسينية فيما تم ايفاد اعداد قليلة من هذا العدد خارج العراق بعد التنسيق مع رئاسة الوزراء خلال حكومة مصطفى الكاظمي وان ما تم معالجته من هذا الكم الهائل بعدد جرحى ذي قار هو 68 جريح فقط في الوقت الذي يوجد 200 شخص بحاجة الى تداخل جراحي خارج البلد.

ويكمل بان ما يقارب 46% من الجرحى لم يحصل على حقوقهم فهناك 700 شخص استطاعوا الحصول على تعويضات وقطع اراضي فيما بقي 587 لم يتسلموا اي تعويض مالي بسبب الروتين والاجراءات الادارية.

ولم تهدأ الناصرية حتى يومنا هذا تارة باحتجاجات تشرينية تطالب بإصلاح الواقع السياسي وأخرى مطلبية على صعيد الجوانب الخدمية والجرحى يترقبون حكومة السوداني في أمل يحدوهم للمعالجة خارج البلاد. 

VIAمرتضى الحدود