سانت ليغو.. “ثأر” القوى الحاكمة من المستقلين

العودة للخلف، هذا ما أقدمت عليه القوى المتحكمة بالقرار السياسي في العراق، إذ أعادت البلد إلى عهد ما قبل “انتفاضة تشرين”، عبر اعتماد نظام “سات ليغو” في الانتخابات، الذي كبل القوى الناشئة والمستقلين والمرشحين الفرديين وحد من إمكانية وصولهم لقبة البرلمان، في خطوة تعد “ثأرية” لما تعرضت له هذه القوى في الانتخابات السابقة التي جرت وفق نظام الدوائر المتعددة، وأفضت لخسارة هذه القوى لأغلب مقاعدها.

“ثأر” هذه القوى المسيطرة على مجلس النواب حاليا، بات واضحا وجليا، لاسيما في آلية التعامل مع النواب المعترضين على القانون وإخراجهم بالقوة العسكرية من قاعة ممثلي الشعب.   

يعد “سانت ليغو” من القوانين التي تعتمد في أساسها على “الجماعة” أي كتلة أو قائمة سياسية، ترشح بشكل جماعي في كل العراق، بعد عد كل محافظة دائرة انتخابية، وتجري آلية الاحتساب، بعد تقسيم الأصوات التي حصلت عليها القائمة في محافظة ما، حسب عدد المقاعد. 

عدد الأصوات، يقسم بداية على 1.7، ومن ثم الناتج يعاد تقسيمه على عدد مقاعد المحافظة، فلو محافظة لها 6 مقاعد نيابية، يتم تقسيم الناتج 6 مرات بالأرقام الفردية العشرية للرقم واحد، وفي المحصلة، يتم اختيار أعلى 6 نواتج قسمة من جميع المرشحين وهم الذين يحصلون على مقاعد نيابية.  

القوى السياسية، وعبر هذا القانون ونسبته الحالية، وكما يرى عضو مجلس مفوضية الانتخابات السابق والخبير بشؤون الانتخابات عادل اللامي، فأنها “ابتدعت” هذا القانون وأظهرته بشكل “مشوه”، فالقانون الأصلي لا يصل لهذه النسبة بل هي لا تتجاوز 1.2، وفي العام 2014 اتجه البرلمان إلى رفعها لـ1.6، وجرت في حينها الانتخابات حسب هذه النسبة، ما أقصى الكثير من الكيانات السياسية كما يؤكد اللامي. 

النسبة الحالية لسانت ليغو “المشوه”، ستكون مساهمة بشكل أكبر بإقصاء المنافسين للكتل الكبيرة، وحسب تأكيد اللامي فأن احتمالية فوز المرشحين الفرديين “ضئيل جدا”، وسيكون عليهم الحصول على عدد أصوات كبير جدا بنحو 50 ألف صوت حتى يتمكنوا من المنافسة على مقعد نيابي. 

وتتجه أغلب دول العالم إلى اعتماد نظام الاغلبية وفق الدوائر المفردة، ويفوز عنها مرشح واحد فقط، وهذه الانتخابات تجرى على جولتين في حال عدم حصول المرشح على النصف زاد 1، ولو طبقت في العراق، كما يرى اللامي، الذي طالب بتطبيقها، فأن المحافظة ذات الـ3 مقاعد، من المفترض أن يحصل كل مرشح على 33 بالمئة من الأصوات، وفي حال عدم حصول هذا الأمر تعاد الجولة الثانية بأعلى 6 مرشحي حتى يفوز 3 منهم.

وكان مجلس النواب، صوت فجر يوم 27 من آذار مارس الحالي، في جلسة شهدت فوضى كبيرة، على تعديل قانون الانتخابات، ليشمل بها انتخابات مجالس المحافظات والنيابية معا، تحت مسمى قانون انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان.  

وجرت هذه الجلسة، بعد محاولات فاشلة سبقتها بأيام، ولم يتحقق النصاب القانون في ظل عدم توافق الكتل على نسبة سانت ليغو من جهة، واعتراض أخرى على القانون بالمجمل. 

الجلسة عقدت بعد منتصف الليل وانتهى التصويت في الساعة الثالثة والنصف فجرا، وسبقها تواجد النواب من الساعة الثامنة مساء، وعقد الكثير من الاجتماعات بغية تمرير القانون، وكان النواب المستقلين من أبرز المعارضين له، وما أن تحقق النصاب القانوني 189 نائبا لعقد الجلسة، حتى بدأ النواب المستقلين بالهتاف داخل القاعة “كلا كلا سانت ليغو”. 

الفوضى لم تتوقف، فبعد الهتافات توجه النواب المستقلين نحو منصة رئاسة البرلمان، ودخلوا بمشادات مع رئيس المجلس محمد الحلبوسي وبعضهم أخرج “صافرة” من جيبه واستخدمها داخل القاعة للتشويش على التصويت، ومن ثم أخذ الحلبوسي بالصراخ واستدعى أمن البرلمان لإخراج المستقلين من قاعة الجلسة. 

خيبة 2021

كانت انتخابات عام 2021، التي جرت وفق نظام الدوائر المتعددة، قد أفرزت مفاجآت عديدة، أبرزها فوز نحو 40 مرشحا مستقلا بمقاعد نيابية، فضلا عن حصول حركة امتداد المنبثقة من تظاهرات تشرين على 9 مقاعد، فيما حصل تحالف الفتح، المكون من القوى السياسية الممثلة لفصائل المقاومة، على 16 مقعدا، فيما حصلت الكتلة الصدرية على 73 مقعدا. 

كما أن تلك الانتخابات حملت مفاجآت أخرى طالت العديد من الوجوه السياسية المعروفة التي تسلمت مناصب عليا عديدة منذ سنوات طويلة، لكنها منيت بالخسارة، وأبرزها: عبد الحسين عبطان، وعدنان الزرفي، وهيثم الجبوري، وسليم الجبوري، وأسامة النجيفي، ومحمد الكربولي، ومحمد صاحب الدراجي، وآلا طالباني، وبهاء الأعرجي، ومزاحم التميمي، وكاطع نجمان الركابي، واراس حبيب، وخلف عبد الصمد، وظافر العاني، وسلمان الجميلي، وصلاح الجبوري، وعدنان درجال، وعبد الأمير التعيبان. 

وجاءت تلك النتائج بعد أن كانت قوى الإسلام الشيعي، تحظى بأغلبية مقاعد البرلمان في أغلب الانتخابات، وخاصة عام 2018، ومن ثم تجري تحالفات مع القوى الأخرى لتشكيل الكتلة الأكبر، الذي يشكل بدوره الحكومة، إلى جانب توافقها مع الكتل الكردية لتمرير منصب رئيس الجمهورية. 

يشار إلى أن انتخابات 2021، جاءت استجابة لتظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، الي طالبت بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة وفق نظام انتخابي جديد، حتى سميت بـ”انتخابات تشرين”، وذلك بعد أن ذهب ضحية التظاهرات أكثر من 600 قتيل وأكثر من 25 ألف جريح، نتيجة للقمع المفرط الذي استخدمته الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، بما فيها الرصاص الحي والقنابل المسيلة الدخانية. 

مصادرة مساحة المستقلين

وبالتوجه للحراك الاحتجاجي، فأن الرفض لفكرة عودة مجالس المحافظات من الأساس، ما زال قائما، لاسيما وأن التظاهرات كانت مطالبها حل هذه المجالس بشكا دائم، لكونها تمثل “باب من أبواب الفساد لصالح الأحزاب الكبيرة”، كما يرى الأمين العام لجبهة تشرين واثق لفتة

وعد سانت ليغو، بأنه عبارة عن قائمة مغلقة تنتخب فيها مشرح يفوز مرشح آخر، وهو كان أساس رفضه من قبل المتظاهرين، كما يقول لفتة، الذي أشار أيضا إلى أن القوانين الانتخابية الحالية “حزبية” ولا تلبي تطلعات الجماهير، والهدف الأساسي فسح المجال وإعطاء المستقلين مساحة أوسع.

ويأتي حديث لفتة، في ظل إشكالات عديدة أثيرت حول النواب المستقلين الذي دخلوا قبة البرلمان، بدءا من تصويت بعضهم على تمرير الرئاسات الحالية رغم الرفض الشعبي لها، فضلا عن انضمام بعضهم لجهات سياسية، وأبرزها التيار الصدري، قبل انسحابه من البرلمان، لكن لفتة يرى أن هؤلاء النواب “أهون” من القوى السياسية الحاكمة منذ 20 عاما، والميليشيات المتهمة بالفساد والقتل.

“هزالة” أداء النواب المستقلين، وتشظي مواقفهم خلال الفترة السابقة، تعود لقلة نقاطهم داخل العملية السياسية، كما يؤكد لفتة، حيث ربط انسحاب الكتلة الصدرية التي كانت دعامة لهم بتراجع دورهم وقوة تأثيرهم، لكنه رغم هذا رفض “جلدهم” وعد التجربة بـ”الصحيحة”.

الحقيقة بلا خجل  

الإطار التنسيقي، سعى لتمرير سانت ليغو بأي طريقة كانت، في محاولة للعودة إلى القوائم والاعتماد على جمع الأصوات بشكل “جماعي” ومن ثم توزيعها على مرشحيه، وهذه الخطوة لم ينكرها ائتلاف دولة القانون، أحد أركان الإطار التنسيقي، بل كشفها بشكل واضح. 

يبرر نائب عن ائتلاف دولة القانون، وهو عبد الهادي السعداوي، أن النظام البرلماني يعتمد على الأحزاب والكتل السياسية وليس الأفراد، معتبرا هذا الأمر هو “أصل النظام السياسي البرلماني”. 

تجربة انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، والتي جرت وفق نسبة 1.3 بنظام سانت ليغو، يراها السعداوي “تجد نفعا” وسببت مشاكلا كثيرة، رغم أنها فرزت وصول شخصيات مستقلة لمجالس المحافظات في حينها. 

ويقترح السعداوي أن يدخل النواب المستقلين بقوائم وليس مفردين، بعد أن رفض فكرة أن تكون نسبة سانت ليغو الجديدة، ضد المستقلين وستحد من وصولهم للبرلمان. 

خروق وتزوير 

ومن جملة ما شهده سانت ليغو، إلى جانب ما تقدم أعلاه من إشكالات، هي الخروق التي تضمنتها بنوده لقرارات المحكمة الاتحادية، فضلا عن تركه مجالا للتزوير، باعتماد العد والفرز اليدوي بدلا عن الإلكتروني. 

البداية من اختيار البديل لعضو مجلس المحافظة أو النائب، في حال انسحاب أو وفاة أي عضو، وفيما قررت المحكمة الاتحادية أن يكون البديل هو الاعلى الأصوات، بعيدا عن القائمة الانتخابية، حدد القانون أن يكون البديل هو الأعلى الأصوات من نفس القائمة، كما يقول المحلل السياسي غالب الدعمي

يذكر أن المحكمة الاتحادية، قررت في 29 من آذار مارس، منح الفائز بالانتخابات يوسف الكلابي مقعدا نيابيا، لكونه الأعلى أصواتا ضمن دائرته، ويحق له أن يكون بديلا بعد أن جرى اختيار سعدية العقابي كنائب بديل. 

وفيما يخص المادة 16 من القانون، فأنه جرى فيها استبدال العد والفرز الالكتروني باليدوي، وبحسب الدعمي فأن هذه مخالفة كبيرة أن يترك العد الدقيق الإلكتروني ويتم التوجه لليديوي، الذي يفتح الباب لـ”الاخطاء والتزوير”. 

ليكون بهذه المحلة، سانت ليغو، قاصيا لآمال القوى الناشئة والمستقلين، بعد تأكيد الدعمي أن من سيشترك بالانتخابات هو جمهور الاحزاب فقط، وهؤلاء مضمون تصويتهم لأحزابهم. 

واستمرار لهذه المخالفات، فأن البرلمان وقع بخطأ آخر، وهو أن القانون الذي عدل عليه، أسماه قانون انتخابات مجالس المحافظات والنواب، وفي الأصل لا وجود لهكذا تسمية، بل هناك قانون انتخابات مجالس المحافظات وهو ما جرى التعديل عليه، وقانون آخر لانتخابات مجلس النواب، حسب الدعمي.

يذكر أن نسبة المشاركة بالانتخابات النيابية التي جرت في 2021، وحسب الإعلان الرسمي فأنها 41 بالمئة، وجرى في حينها احتساب النسبة من عدد الناخبين الذين استلموا بطاقة الناخب، وليس العدد الكلي من الشعب الذي يحق لهم الانتخاب.    

التيار غير مهتم 

في ظل ما يجري، التزم التيار الصدري الصمت، ولم يعلق بشكل رسمي على الأحداث، بل استمر زعيمه مقتدى الصدر، بنشر المواد الدينية، كما تعود منذ سحب كتلته النيابية من مجلس النواب. 

وبالتوجه لقيادي في التيار، امتنع عن ذكر أسمه، فأنه أكد أن تياره لن يتأثر بأي نظام انتخابي سواء سانت ليغو أو دوائر متعددة، ففي كلا الحالتين انه متمكن من الحصول على عدد مقاعد كبير، كما جرى في جميع الانتخابات السابقة وفق النظامين. 

لكن السؤال الأبزر هل سيشارك التيار الصدري في الانتخابات المقبلة سواء المحلية أو النيابية، وهنا يكشف القيادي أن القرار لم يصدر من الصدر لغاية الآن، ولم يجري الاستعداد بعد، فيما رجح أن خيار عدم المشاركة “وارد جدا”.