في الأيام الأخيرة من عام 2018، أُشعلت النيران في سيدة وأطفالها الثلاثة في جمجمال بمحافظة السليمانية. 

في 12 كانون أول / ديسمبر 2018، كانت سيوان قدير 23 سنة ورضيعها دارون، سنة واحدة، قد احترقا مع كل من لارين البالغ من العمر عامين ودارين البالغ من العمر خمس سنوات داخل منزلهم، حيث لقي الأطفال الثلاثة مصرعهم على الفور في حريق ودخان جهنميين. 

مصابة بحروق في جسدها، تم نقل سيوان والدة الأطفال الثلاثة إلى مستشفى الطوارئ في السليمانية حيث أكد الاطباء أن 90٪ من جسدها محترق، وبعد أن مكثت في المستشفى لمدة ستة أيام تكافح فيها الآلام والإصابات، أغلقت عينيها إلى الأبد وانضمت إلى أطفالها. لقد كانت وفاة سيوان قادر وأطفالها حالة وحشية من العنف الأسري تسببت بها موجة غير مسبوقة من الاضطرابات الاجتماعية في اقليم كردستان العراق.

بينما كانت مستلقية على فراش الموت بروحها وجسدها المصابين، اتهمت زوجها بإضرام النار فيها وأولادها. 

لتعقد بعدها 16 جلسة محاكمة جرت خلال 18 شهرًا حيث أيدت محكمة السليمانية العليا هذه الاتهامات وحكمت على زوجها بالإعدام. 

ليست سيوان الضحية الأولى أو الأخيرة للعنف ضد المرأة، على العكس من ذلك، فإن قضيتها هي واحدة من عدة آلاف فقدوا حياتهم في حوادث عنف مماثلة ضد النساء في كردستان العراق. حيث تظهر أحدث البيانات التي قدمتها مديرية مكافحة العنف ضد الأسرة والمرأة في كردستان العراق أن العنف ضد المرأة مستمر وأن أعداد الضحايا لم تنخفض في السنوات الأخيرة. 

ووفقًا للبيانات التي حصل عليها الخط الأحمر، في النصف الأول من عام 2021، فقد قُتلت 8 نساء على أيدي أقاربهن، وانتحرت 34 امرأة، وأضرمت 48 امرأة النار في أنفسهن، وتعرضت 55 للتحرش الجنسي، وتم تسجيل 5079 شكوى من قبل النساء. 

وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2020، قُتلت 3 نساء، وانتحرت 13 امرأة، وأضرمت 26 امرأة النار في أنفسهن، وتعرضت 45 للتحرش الجنسي، وتم تسجيل 3769 شكوى من قبل النساء. 

تُظهر هذه الإحصائيات أن الأشهر الستة الأولى من عام 2020 كانت أكثر أمانًا للنساء مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2021.

كان كل هذا يحدث في الوقت الذي يعد فيه مسؤولو حكومة إقليم كردستان العراق بمحاربة العنف ضد المرأة كل عام. حيث يتم تنظيم العديد من ورش العمل والندوات، لكن الإحصائيات لا تزال تظهر الظروف الصعبة المضنية للمرأة. 

لا سنة بلا عنف 

في هذا التقرير الاستقصائي، حصل الخط الأحمر على بيانات من مديرية مكافحة العنف ضد الأسرة والمرأة، وتبين أن النساء في إقليم كردستان تتعرض للانتهاك بشكل منتظم. حيث منذ إنشاء حكومة إقليم كردستان عام 1992، لم يمر عام دون أن تتعرض النساء للعنف. 

بين عامي 2012 و2021 – تسع سنوات ونصف فقط – تم تسجيل 4414 حادثة عنف ضد المرأة تشمل قتل الإناث والانتحار والحرق والتحرش الجنسي. خلال تلك الفترة، قُتلت أو انتحرت 939 امرأة. كما سجلت مديرية مكافحة العنف ضد الأسرة والمرأة 1075 قضية تحرش واعتداء جنسي. علاوة على ذلك، تم تقديم عشرات الآلاف من الشكاوى إلى نفس المديرية. 

قالت كردة عمر، مديرة مديرية مكافحة العنف ضد الأسرة والمرأة في كردستان العراق، للخط الأحمر، إن “العنف ضد الأسرة، وخاصة ضد المرأة متفشٍ هذا العام”، حيث إن معدل العنف مشابه للسنوات السابقة، وأن النساء المهددات يتواصلن مع الخطوط الساخنة للمديرية بشكل يومي. 

وتقول هناء شوان، مديرة مشروع في قسم العنف القائم على الجنس في منظمة التنمية المدنية، منظمة دافعت عن حقوق المرأة لمدة 20 عامًا، إن “التهديدات والانتهاكات بدأت فور الانتفاضة الكردية عام 1991”.  

منظمات معنية بحقوق المرأة 

وتضيف شوان، في حديث للخط الأحمر، أن “الثوار والسلطات بدأوا في إعدام النساء باسم الشرف، إضافة إلى إعدام عدد منهن بعد اتهامهن بالتواطؤ مع نظام البعث، ولما يواجه القتلة أي تداعيات.” مضيفة أن “هذه الظاهرة تؤدي إلى أن يصبح قتل الإناث اعتياديا وشيء لا يخشاه الجناة.” 

الحصول على الشرعية

تقول شوان، إنه “في السنوات الثلاثين الماضية، كان للأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة، (مثل الحرب ضد الدولة الإسلامية (2014-2017)، إلى جانب صعود وانتشار الآراء الدينية المتطرفة) تأثير كبير على تصاعد العنف ضد المرأة. كما أن المنافسة داخل/ وبين الأحزاب السياسية للحصول على السلطة السياسية جعلت النساء الضحايا الرئيسيات”. 

وتضيف، أنه “إلى جانب العنف الذي تعاني منه المرأة، هناك نقص في تكافؤ الفرص في سوق العمل ووسائل الإعلام ومواقع صنع القرار السياسي. وهذا يمثل محاولة منهجية لإبقاء النساء خارج جميع المجالات الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض النساء للإيذاء على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تهديدهن بالتشهير بما في ذلك نشر محادثات الفيديو الخاصة بهن من أجل إسكاتهن.” 

كردة عمر لديها آراء مماثلة حيث جادلت بأن العنف الرمزي على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بزيادة ملكية السلاح بالإضافة إلى زيادة المشاكل الاجتماعية والنفسية التي تواجهها المرأة. حيث تؤكد أنها من “أحد العوامل التي تساهم في العنف ضد المرأة”، حسب قولها. 

انخفاض في معدل جرائم الشرف 

تعتقد هناء شوان، أن قتلة النساء غالباً ما يتم دعمهم من قبل الجناح السياسي والعسكري لحزب أو قبيلة ما، حيث يساعدونهم في تجنب التداعيات القانونية.  

وتقول ايضا، إن “هناك حالات لنساء كرديات عراقيات قُتلن على يد أقاربهن في أوروبا بعد الهجرة مع عائلاتهن، ومع ذلك، تمكن الجناة من التملص من القانون. لكن ضغوط منظمات حقوق المرأة جعلت من الصعب على الجناة تجنب الآثار القانونية”. 

قالت شادي نوزاد، عضو لجنة الدفاع عن حقوق المرأة في برلمان كردستان العراق، للخط الأحمر، إن “قتلة النساء محميون من قبل المؤسسات السياسية والاجتماعية وينجون من التداعيات القضائية على جرائمهم. حيث ينتقل بعض القتلة إلى مناطق متنازع عليها مثل كركوك والموصل ليهربوا من العدالة. وأصبحت هذه المناطق مخبأ لهم، حيث أنها محل نزاع دستوري بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة اقليم كردستان”. 

وتضيف شادي، أن “بعض المتهمين لم يتم تسليمهم الى القضاء وفي بعض الحالات يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل القبض عليهم على الرغم من معرفة مكانهم من قبل السلطة.”

ووفقًا للقانون رقم 8 الخاص بمكافحة العنف ضد الأسرة والمرأة في كردستان العراق لعام 2011، تنص المادة 7 من القانون على ما يلي: يعاقب كل من يرتكب عنفًا ضد المرأة. ويشمل ذلك السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن 3 سنوات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تغريم الجناة ما بين مليون وخمسة ملايين دينار عراقي (ما بين 700 و3500 دولار أمريكي). 

كما قالت كوردة، إن “جرائم القتل باسم الشرف قد تراجعت، في الوقت الحالي، حيث تعود جرائم القتل لأسباب اجتماعية أخرى، ولا يمكن العفو عن قتلة النساء بموجب قانون العفو العام وينتهي بهم الأمر في السجن”. 

قتل عشر نساء بعد إعادتهن إلى عائلاتهن 

في كردستان العراق، تذهب النساء اللواتي يتعرضن للعنف إلى الملاجئ بحثًا عن الحماية والأمان. حيث تم بناء ثلاثة ملاجئ من هذا النوع للنساء المهددة في حكومة إقليم كردستان. وفي حين أن تأمين هذه الملاجئ هي مسؤولية وزارة الداخلية في الاقليم، إلا أن النساء ما زلن يواجهن تهديدات عديدة فأصبحت تلك الملاجئ مكانًا غير آمنًا للنساء حيث يتعرضن فيه للهجوم باستمرار من قبل أسرهن. 

لا تستطيع بعض النساء حتى الوصول إلى تلك الملاجئ، فينتهي بهن الأمر بالقتل أو الضرب. في السنوات القليلة الماضية، انتحرت امرأتان وقتلت عشر نساء على أيدي أقاربهم في تلك الملاجئ أو حولها. حدث هذا بعد أن تم حل مشاكلهم بشكل مفترض وتم إعادتهن إلى عائلاتهن. كما شهدت هذه الملاجئ بضع حالات انتحار ايضا. 

وقالت عضو مجلس النواب في هذا الشأن: “يمكن للمرأة التوجه إلى الملاجئ بعد صدور الأحكام النهائية من المحاكم. في بعض الأحيان، بسبب البيروقراطية المفرطة داخل نظام المحاكم، تبقى النساء في الملاجئ لسنوات في انتظار حل”. 

وأضافت، أن “من الضروري إصلاح دور إيواء النساء وتحسينها. كما أنه من المهم بنفس القدر إصلاح الإجراءات المتعلقة بإعادة النساء إلى عائلاتهن من أجل منعهن من الوقوع ضحايا للعنف وللتهديد من قبل أقاربهن”. 

وفقا للمعلومات التي بحث عنها الخط الأحمر، هناك ما يقرب من 20 منظمة نسائية تعمل في مجال حقوق المرأة في حكومة إقليم كردستان إلى جانب عشرات الناشطات اللائي يعملن بشكل مستقل كمدافعات عن حقوق المرأة. 

وأكدت الناشطة هنا شوان البيانات التي حصل عليها الخط الأحمر، وقالت، إن “20 منظمة غير كافية، خاصة وأن العديد من أعضائها يعملون كمتطوعين. العديد من هذه المنظمات لا تملك حتى الأموال اللازمة لتمويل تكاليف الطعام أو النقل لأعضائها. إلى جانب ذلك، هناك محاولة منهجية من قبل الأحزاب السياسية لإسكاتهم وإغلاقهم”، حسب تعبيرها. 

وأضافت الناشطة قائلة: “في كثير من الأحيان بسبب افتقار المنظمات النسائية إلى التنظيم والنظرة الموحدة ، لم يكن من الممكن تحقيق الأهداف طويلة المدى والوفاء بالوعود. كما أن تعدد الأزمات وانتهاكات حقوق الإنسان أصبحت عبئًا مزدوجًا على هذه المنظمات.” 

وعلى الرغم من أن المنظمات النسائية أصبحت أكثر اتحادًا في السنوات الأخيرة بسبب زيادة قتل النساء والانتحار، وتمكنت من ممارسة المزيد من الضغط على رئيس وزراء حكومة كردستان ونائبه. اذ زاد ذلك من فرص محاكمة القتلة المعتقلين في فترة وجيزة. حيث يتم التحقيق في المزيد من القضايا وتشديد الإجراءات القانونية، و لكن هذا ليس كافياً. حسبما تقول هانا شان الخط الأحمر.

VIAرانج أوسمان