’’ لا يوجد نص أو تشريع قانوني يمنع المرأة من الحصول على حصتها كاملة في الميراث، فقانون الإرث في الإقليم يستمد فقراته من قانون الأحوال الشخصية على أساس الشريعة الإسلامية، لكن العادات والتقاليد في المجتمعات العشائرية حرمت المرأة من نيل حقها في الميراث، وهنا اصبحت تخشى المطالبة بحقها واللجوء للقضاء والمحاكم، لآن ذلك يعرضها للمشكلات التي قد تكلفها حياتها’’

تاريخ المرأة الكوردية

إذا ما تناولنا الشخصيات النسائية الكردية في أواخر القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين، فبإمكاننا تسليط الضوء على العديد من الشخصيات التي تشكل إرثاً تاريخياً عظيماً على صعيد هوية المرأة، ومن ابرز  الامثلة التي تتجلى امامنا: 

 عديلة خانم، زوجة رئيس عشيرة جاف الشهيرة، والتي فاقت شهرتها على شهرة زوجها، لتحليها بالحكمة والذكاء. حيث حكمت العشيرة أكثر من خمس عشرة سنة في أحلك الظروف، عشية وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى. وفي نفس الفترة عُرِفَت أيضاً حافظة خان، أخت شيخ محمود البرزنجي، بسيادتها السياسية الحكيمة.

على مدى سنوات تتوالى التأكيدات على ضرورة تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة، من خلال سن قوانين وتشريعات تنص بوضوح على ضمان حقوق المرأة، وتعهّدات من قبل الجهات المعنية باتخاذ كل التدابير الممكنة لتمثيل المرأة دون تمييز ضدها.

رغم ذلك، لم تنعكس تلك الرؤى الحالمة على عدد من البلدان من بينها إقليم كوردستان العراق التي ورغم التطور والانفتاح الكبير الذي شهده في الآونة الأخيرة، إلا أن الموروثات القبلية لاتزال  تسيطر على غالبية الشعب الكوردي، فضلاً عن المفاهيم الخاطئة البعيدة عن الشرع والقانون، خاصة في قضية الميراث .

تصل حد القتل .. مضايقات لمجرد مطالبتها بحقوقها 

غالباً ما تتعرض النساء في إقليم كوردستان إلى مضايقات كبيرة عند مطالبتهن بالميراث، كالطيعة أو إجبارهن على التنازل عن حقهن وقد تصل حد القتل في حالات كثيرة.

كما حصل مع جميلة خالد،45 عاماً، عندما لقيت حتفها  بأربعة رصاصات اخترقت جسدها على يد أخيها في أحد شوارع قضاء زاخو  شمالي محافظة دهوك في إقليم كوردستان،  “لمجرد أنها طالبت الحصول على جزء من حقها بعد وفاة والدها، بعدما تقدمت بشكوى إلى محكمة المدينة، واعتبرت أن من حقها الحصول على راتب والدها، الذي كان حوالي 240 ألف دينار عراقي فقط”. 

وقد لا تتجرأ بعضهن المطالبة بحقهن من الميراث بعد وفاة رب الاسرة، سواء ا كان والدها أو زوجها، لان ذلك قد يسبب قطيعة من قبل الأهل.

 تقول المواطنة جيهان فاضل 45 عاماً، من سكنة محافظة دهوك وهي أم لطفلين “بعدما توفي والدي طالبت أهلي بحقي من الورث، لكن ما حصل هو أنهم قاطعوني بل وأجبروني على التنازل عن حصتي”، واضافت في حديثها “ونتيجة لما جرى مع أخوتي شعرت بالخجل من المطالبة بنصيبي بالميراث رغم حاجتي للمال، لانهم كانوا يعتقدون بأن زوجي هو من دفعني للمطالبة بذلك “.

لا توجد حصيلة.. مشكلة تعاني منها اغلب نساء العوائل الكردية 

’’ القانون أقر عقوبة الحبس أو الغرامة على مغتصب حق ميراث المرأة، بحسب الشكوى المقدمة’’

قانونيون ومعنيون في القضايا المتعلقة بالمرأة وحقوقها، يؤكدون بأن محاكم إقليم كردستان تشهد شكاوى تتعلق بحقوق الميراث، يقول المحامي علي حسين الدوسكي من محافظة دهوك في حديث خاص للخط الاحمر أن: “قضية الورث مشكلة تعاني منها اغلب نساء العوائل الكوردية،  بسبب  العادات والتقاليد والعرف السائد، وهو أن المرأة ليست لها حقوق وأن ميراث الوالدين هو حق للذكور فقط، وخصوصاً إذا كانت متزوجة، على اعتبار أن ما تحصل عليه النساء سيذهب إلى <الغريب> أي الزوج فعقلية العيب والعشائرية لازالت مهينة على المجتمع الكوردي ليومنا هذا، لذا فان من الصعب جداً أن تتجه المرأة إلى المحاكم وتقدم شكوى للمطالبة بحقها”.

 واوضح الدوسكي في حديثه “أنه لا توجد حصيلة لعدد الشكاوى المقدمة بهذا الشأن، وإن وجدت فليست بالكثيرة والسبب هو الخوف، و ما يترتب على ذلك من عواقب من قبل الاهل والعشيرة ” فيما نوه الى ان “القانون أقر عقوبة الحبس أو الغرامة على مغتصب حق ميراث المرأة، بحسب الشكوى المقدمة”.

مجتمع ذكوري وعشائري 

’’ المرأة في المجتمعات العشائرية تخشى المطالبة بحقها واللجوء للقضاء والمحاكم، لآن ذلك سيعرضها للنقد من قبل ذويها’’

لا يوجد نص أو تشريع قانوني يمنع المرأة من الحصول على حصتها كاملة في الميراث، فقانون الإرث في الإقليم يستمد فقراته من قانون الأحوال الشخصية على أساس الشريعة الإسلامية، ولكن هي عادات عشائرية بالية، فالمجتمع في محافظة دهوك هو أقرب لأن يكون ذكورياً وعشائرياً يريد فرض سطوته وهيمنته، وباعتقاد المجتمعات العشائرية أن المرأة لا تستحق الميراث كونها خرجت لبيت زوجها، وزوجها هو الأحق بالصرف”. بحسب الناشطة في حقوق المرأة آلاء كمال.

كمال ترى ايضاً “أن المرأة في المجتمعات العشائرية تخشى المطالبة بحقها واللجوء للقضاء والمحاكم، لآن ذلك سيعرضها للنقد من قبل ذويها، إذا ما اشتكت على أهلها، وبالتالي المجتمعات العشائرية تستمر بفرض سطوتها” ، وختمت حديثها “نحتاج لندوات تثقيفية وتعريفية بحقوق المرأة وحقها بالإرث، وهو حق وليست مِنة”.

ماذا يقول الشرع ؟

 ومن ناحية الشرع والدين يقول الملا صلاح الدين عثمان وهو أحد رجال الدين في إقليم كوردستان ” أن الاسلام أعطى للمرأة الحق في الميراث والله عز وجل اوضحه بقوله تعالى، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وأن للمرأة الحق مثلها كالرجل في ميراث عائلتها، ولكن الاسلام عندما يقول للذكر مثل حظ الانثيين فلأن الرجل يتحمل المسؤولية في النفقة على الزوجة والاولاد ويقوم بدفع المهر للمرأة ولذا اعطي للذكر حظ أكبر”.

الإسلام جاء وأعطى للمرأة حقها بالعدل اما بالنسبة لمجتمعنا فالأغلبية التي تتحكم هي العادات والتقاليد التي حرمت النساء من حقوقها وبعض الرجال البرجوازيين كالآغوات والمخاتير الذين كانت الامور بيدهم سابقاً في محاولة منهم للحفاظ على اموال وممتلكات عوائلهم دون خروجها للغير، بحسب عثمان.

رجل الدين أشار في حديثه أنه “وفي يومنا هذا يجب علينا كرجال دين توعية العامة من المجتمع من خلال خطاباتنا ومنابر مساجدنا ويعلى الصوت للمطالبة بالدفاع عن حق نسائنا وإيقاظهم ليتداركوا  المسؤولية بالعمل على احقاق جميع ما حلله لهم الإسلام “منوها في حديثه “بحسب فهمي فأن الاحزاب السياسية ايضاً لها دور فعال في قيادة المجتمع وعليهم بالتالي تحمل مسؤولياتهم”.

رأي القانون والقضاء 

وبحسب رأي القانون والقضاء العراقي، فإن المستحقين للتركة هم الوارثون بالقرابة والنكاح الصحيح، والمقر له بالنسب، والموصي له بجميع المال، لافتًا إلى أن نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 استمدت أحكامها من الشريعة الإسلامية، وقد تم تعديل أحكام الميراث بموجب (قانون التعديل الأول لقانون الأحوال الشخصية) رقم 11 لسنة 1963 حيث أضيف الباب التاسع إلى القانون (أحكام الميراث) وبالمواد ( 86 و87 و88 و89 و90 و91 ) والتي نظمت أركان وشروط الميراث والحصص المتعلقة بالتركة والمستحقين للتركة والوارثين بالقرابة وكيفية توريثهم واستحقاق الزوج والزوجة والبنت أو البنات للإرث. 

وفي ظل المفاهيم الاجتماعية التقليدية السائدة تبقى المرأة وخاصة في المجتمعات الريفية والعشائرية سجينة تقاليد واعراف تلك المجتمعات، دون أن تحظى بأي اهتمام أو ضمان أو استراتيجية من قبل الجهات المعنية لإنصافها وحصولها على حقوقها لتبقى هي كماهي ومنذ سنين طوال .

ووفق الإحصائيات الرسمية، قتلت 490 امرأة في إقليم كوردستان خلال الأعوام بين 2010 إلى 2020، وأقدمت 612 امرأة على الانتحار، كما سجلت 73 ألفاً و15 امرأة شكاوى.

VIAوفاء غانم