’’وعود كثيرة مع كل حكومة تتشكل او انتخابات تُقبل في العراق بشأن إنهاء أزمة النازحين، إلا أنها لا تزال مُتفاقمة وبقوة، بسبب إخفاق بغداد امنياً في فرض سيطرتها على جميع المناطق وإخراج المليشيات المسلحة وإعادة السكان، كذلك إخفاق بغداد خدماتياً من دون تعويضات للمتضررين، إذ إنّ ملف إعمار المناطق المهدمة التي نزح أهلها ما زال عالقاً، ولم يتمّ تأهيل أغلبها’’

تسعة أعوام مضت على أزمة النزوح في العراق، التي بدأت مع اجتياح داعش للمحافظات العراقية عام 2014، تتغير درجات الحرارة  في البلاد كما العالم، انخفاضاً إلى ما دون الصفر فيالشتاء، وارتفاعاً إلى نصف المئوية صيفاً، بحسب المراصد الجوية. ويبرز ثابت واحد في المتغيرات المذكورة، أزمة النازحين التي تتفاقم عاماً بعد أخر.

مخيم بحركة للنازحين (13 كم شمالي أربيل) هو واحد من ستة مخيمات في أربيل، الحال فيه لا يختلف كثيرا عن بقية المخيمات

يعيش الملا جمعة(60سنة) في “مخيم بحركة” منذ العام 2016 وقد أصبح مختاراً فيه، يستدل به الزائر على قصص الناس ومعاناتهم. يقودنا داخل المخيم  لمنزل عائلة فقدت معيلها ولا تملك من الامر شيء متحدثاً “لا أملك ما اقدمه لهم فأنا واحد منهم ولي معاناة ايضا، لكني أرشد الخيرين ومن يرغب مساعدة الفقراء إليهم”.

حبال تكاد أن تنقطع، تمتد إلى الارض، كأوتاد تشد خيمة لا شيئ فيها يوحي أنها خيمة سوى    اسمها فقط، كان ذلك مأوى لأم مثنى (34 سنة) تعيش فيه مع أطفالها الاربعة، منذ نزوحها عام 2016 من منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل، جنوبي العاصمة بغداد، وهي منطقة زراعية،شهدت معارك ضارية مع فصائل الحشد الشعبي من جهة، وعناصر داعش من جهة    أخرى، وانتهت بسيطرة الحشد الشعبي على القضاء.

 كلفت المعارك سكان المنطقة أراضيهم، إذ تم تهجيرهم منذ استعادتها، ولم يسمح لهم بالعودة إليها إلى الان، رغم كل المحاولات والوعود السياسية.

كانت أم مثنى واحدة من بين مئات النساء اللواتي فقدن أزواجهن خلال عملية الهروب نحو    منطقة أمنة، تقول إن زوجها أعتقل مع اربعة من اشقائه في احدى الحواجز الامنية التابعة للحشدالشعبي.فشلت منذ ذلك الحين كل محاولات العثور عليه، في سجلات الاجهزة الامنية.

“لقد فقدنا الأمل بالسياسيين والثقة أيضا” قالت شقيقتها وهي تتصبب عرقاً داخل الخيمة “نعيش هنا معاناة كما تراها الآن، لم يسأل عنا أحد منهم، ولم يساعدنا أحد،    نعيش على الصدقات، نتحمل الجوع نحنُ الكبار، ولكن ماذا عن هؤلاء الاطفال” تساءلت وقد بدت عليها الخيبة، أخذها الصمت للحظات، أردفت قائلة: “نحمل الان هم تأمين وقود التدفئة”.

معاناة مستمرة

 ’’الشعب العراقي ضحية طبقة سياسية، ويتسلق عليهم السياسيين للوصول الى السلطة’’

وبالتزامن مع الانتخابات التشريعية العام الماضي، برزت محاولات سياسية عديدة، لإعادة نازحي جرف الصخر إلى قراهم، إلا أنها فشلت.

وعلى حد قول الباحث في الشأن السياسي الدكتور مهند الجنابي “لا غرابة في استخدام ورقة النازحين سياسياً، الشعب العراقي ضحية ومادة للسياسيين للوصول الى السلطة”.

تتوحد المعاناة، في مدن الخيام كما صار يطلق عليها اصطلاحاً، انقطاع مستمر  للتيار الكهربائي، ضاعف معاناة الالاف من القاطنين فيه،في ظل نقص حاد بالوقود.

انعكاسات الارتفاع بدرجات الحرارة خلال الصيف المنصرم، بدت واضحة على الاطفال، جلودهم الناعمة باتت خشنة تقترب إلى السواد،كبار السن بدت عليهم واضحة ملامح التعب، نساء يحملن على أكتافهن قناني الماء الصالح للشرب، من خزانات كبيرة، في مسير وأن بدا قصيراً إلا أنه شاق أيضا.

توصيات دولية

’’دعم وزارة الهجرة والمهجرين، قد توقف كلياً منذ نحو 4 سنوات، فلا وقود ولا مواد غذائية تصل إلى المخيم’’

وكانت منظمة الهجرة الدولية قد شددت في “بيان” سابق على ضرورة إنهاء الازمة.

منظمة الهجرة الدولية، أشارت في “بيان” رسمي لها إلى إن “التقديرات تشير إلى نحو 1.2 مليون شخص ما زالوا في حالة نزوح” سواء على صعيد النزوح الداخلي، او الهجرة خارج البلاد، من اصل نحو 6 ملايين نازح، هجروا من مناطقهم الاصلية، وعادوا إليها بعد انتهاء المعارك مع تنظيم داعش.

المنظمة أكدت على ضرورة “إستمرار الدعم لإنهاء النزوح الداخلي، والتوصل إلى حلول دائمة، بما في ذلك العودة الطوعية إلى مناطق سكناهم”.

يدار مخيم بحركة من قبل مؤسسة بارزاني الخيرية، وهي مؤسسة كوردية تشرف على كل المخيمات في إقليم كوردستان، ولها تعاون مباشر مع وزارة الهجرة والمهجرين العراقية.

تقول “ألفا عايد” وهي مديرة مخيم بحركة في أربيل، إن دعم وزارة الهجرة والمهجرين، قد توقف كلياً منذ نحو 4 سنوات، فلا وقود ولا مواد غذائية تصل إلى المخيم.

وتضيف عايد أن “وزارة الهجرة أشعرت إدارة المخيم بعدم قبول التسجيل لأي من النازحين، إلى المخيم بعد عام 2018”.

و أشارت إلى أن “إدارة المخيم تسجل في قوائمها كل النازحين من منطلق إنساني”، ونوهت إلى أن ما يصل من دعم متقطع إلى المخيم هو من المنظمات الانسانية فقط، ولا يكفي لسد الحاجة.

ويوجد في اقليم كوردستان 24 مخيماً، تتوزع على 3 محافظات هي (أربيل، دهوك، السليمانية) وتقدر أعداد النازحين في إقليم كوردستان بحسب إحصائية لمؤسسة بارزاني الخيرية بنحو 700 الف نازح، وهم من محافظات، ديالى وبابل وصلاح الدين، وبعض المناطق التابعة لمحافظة نينوى.

موقف وزارة الهجرة والمهجرين العراقية

’’انعدام فرص العمل في المناطق المحررة وسيطرة بعض الفصائل المسلحة عليها، أسباب جعلت النازحين يأمنون البقاء في مخيمات اقليم كوردستان’’

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين، قد أغلقت 50 مخيماً في العراق، عام 2021 بحسب الاحصائية الصادرة عن الوزارة، وذلك في إطار جهود لاستكمال عودة  النازحين الى مناطقهم فيما أبقت على مخيمات إقليم كوردستان.

لكن هذه الخطوة وبحسب ما يذكر الاهالي، تجاهلت البنية التحتية المدمرة في المدن، والظروف الصعبة للنازحين.

يقول أبو سهيل وهو نازح من  منطقة “القيارة”(الگيارة) كما تلفظ محلياً، إن “مناطقهم تعرضت للتدمير، بما فيها المنازل، ولا يملك المال الكافي لإعادة ترميم منزله، بالإضافة الى  إنعدام فرص العمل هناك”، مبينا أن”الوضع الامني الهش، وسيطرة فصائل مسلحة قد  تلحق الاذى به حال عودتهم”، وهي جميعها أسباب تجعلهم يأمنون البقاء في مخيمات اقليم كوردستان.

إجراءات حكومية 

’’حكومة اقليم كوردستان لا تجبر النازحين بالمخيمات على العودة، انما جعلت العودة طوعية’’

لم يكن الجانب الخدمي هو المانع الوحيد من عودة النازحين المقيمين بإقليم كوردستان، إلى مناطقهم،  إذ يستحوذ الهاجس الأمني على مساحة واسعة من ذلك.

يغلب الطابع العشائري على المناطق التي هُجروا منها، واتهام بعضهم  بالانتماء إلى تنظيم داعش كان سبباً في تأخر عودة النازحين، يمتنع عدد كبير منهم عن العودة  الى مناطقهم، خشية الانتقام بسبب شبهة الانتماء لفرد من أفرد الاسرة إلى التنظيم المتطرف.

وفي وقت سابق قالت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في بيان رسمي إن “لجنة مشتركة، من جهاز الأمن الوطني وغرفة العمليات المشتركة والمخابرات والاحوال المدنية، مسؤولة عن دراسة ملفات سكان مخيمات النازحين العراقيين، والتأكد من عدم وجود أي شخص مطلوب بينهم، ومن ثم إعادتهم تدريجياً إلى ديارهم”.

ويعلق مسؤول مكتب التوصيات الدولية في أقليم كوردستان، ديندار زيباري في مؤتمر صحفي، عن الموضوع قائلاً  إن: “رأي حكومة الاقليم واضح فيما يخص عودة النازحين، عودة طوعية وهي خيار لهم، أما إجبارهم على ذلك هو مرفوض بالنسبة لحكومة إقليم كوردستان”.

زيباري أشار إلى أن الجانب الخدمي، وتخوف النازحين من الانتقام العشائري، والوضع الامني الهش، بالإضافة إلى سيطرة جماعات مسلحة على بعض المناطق منعت عودة النازحين الى سكناهم، مبيناً أن حكومة الاقليم مع العودة الطوعية لهم وهي على تنسيق مستمر مع حكومة بغداد.

تغير شكل الحكومات في العراق، لثلاث مرات، والحال على ما هو عليه، مدن خيام وإن كانت لا تتسع حجماً، إلا أنها لا تتسع لمعيشة البشر أيضا، ووسط تراكم الازمات التي شهدتها بغداد في فترة تشكيل حكومة السوداني وما بعدها من الازمة الاقتصادية ارتفاع سعر صرف الدولار، يرتقب النازحون بشغف الى من سيطل برأسه هذه المرة عليهم، لينقلهم من ظلام البؤس والحاجة، الى نور الحياة مرة اخرى.

VIAمصطفى سلمان