تتأثّر البيئة بشكل كبير بالعمليات العسكرية وشنُ الحروب، منها هجرة الإنسان لبيئته الى مناطق اخرى جديدة، مما يشكل عبئاً على المناطق الجديدة من ناحية المعيشة والصحة وتفشي البطالة وغيرها من العوامل، وكل ادوات الحروب والاسلحة المستخدمة، لها تأثيرات على البيئة سواء تأثيرات كيمائية او فيزيائية او حتى تهديد على الحيوانات وهجرتها، بسبب اصوات الاطلاقات في المنطقة سواء من القوارض وغيرها، ومثلما هنالك تأثير على الانسان هناك تأثير على الحيوانات والكائنات الحية الاخرى.

يواجه العراق منعطفاً كبيراً، وهذه المرة ليس سياسياً او امنياً، بل بات على مشارف فقدان أهم مناطقه الخضراء، وهي المحميات الطبيعية شماليّ البلاد. مزارع وبساتين وحيوانات نادرة، كلها مصيرها الفناء بسبب القصف التركي المستمر وخاصة في محافظتي دهوك ونينوى، حتى النحل لم يسلم من الحرائق التي تندلع جراء القصف التركي على حزب العمال الكوردستاني PKK والذي يعتبر سر ديمومة الاشجار والازهار.

الغابات في العراق عانت قصوراً واضحاً في مجال إشباع حاجة السكان لمنتجاتها الرئيسية المتمثلة بالأخشاب ومنتجاتها الثانوية المتمثلة بالأغصان والأوراق والنباتات الطبيعية والحيوانات البرية ونواتجها الأخرى، وتعرضت مساحات كبيرة من الغابات للحرق، وقطعت من قبل السكان وكذلك المشكلات السياسية ادت إلى فقدان الأشجار القائمة الطبيعية والاصطناعية في مواقع تشجيرها.

محميات طبيعية تحت القصف

25 عاماً لتعود الغابات لطبيعتها بوجود ميزانية تقدر بـ 10 مليارات دولار

لغاية الان أدى القصف التركي، الى “اتلاف اكثر من 40 ألف دونم من الغابات والمراعي، حيث أحرقت بالكامل، وهي بحاجة الى 25 عاماً حتى تعود لطبيعتها مع ميزانية تقدر بـ10 مليارات دولار”، بحسب كبير خبراء الاستراتيجيات والسياسات المائية ورئيس جمعية الموارد المائية في دهوك رمضان حمزة محمد.

تركيا، الجارة المسلمة الشمالية للعراق، تستمر ومنذ سنوات عديدة بشن غارات جوية وقصف مدفعي طال اغلب المناطق الزراعية والقرى في دهوك ونينوى، ومنذ مطلع العام الحالي، صعدت تركيا من عملياتها بشكل كبير وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكوردستاني الذي تصنفه كمنظمة ارهابية معادية لنظامها السياسي، ولهذه العمليات العسكرية والقصف آثار جمّة على الوضع البيئي في العراق، ويجمل محمد هذه الاثار بتداعيات القصف التركي على الانسان والبيئة كبيرة وخطيرة في نفس الوقت، حيث يتم بسبب هذا القصف “القضاء على التطور الزراعي والبيئي وآفاق التنمية بشكل كارثي”، فقد احترقت آلاف الهكتارات وتُركت مئات الأراضي الزراعية والمواشي وخلايا النحل ومناحل العسل الطبيعي وكذلك النحل الذي يتم تربيته من قبل أهالي تلك القرى.

ويضيف محمد “ما يدمره القصف التركي تعتبر، محميات طبيعية غنيّة بالتنوع الحيوي والإيكولوجي خصوصاً أراضي الغابات، بذلك خسرت محافظة دهوك الكثير من مسطحاتها الخضراء، ليس بسبب الحرائق الناجمة من القصف التركي بل قيام السلطات التركية بقطع ممنهج للأشجار من الغابات

وخاصة القريبة من الشريط الحدودي، وبذلك تركيا تريد ان تكون هذه المنطقة أرضاً محروقة بالتمام، بعد ما أجبر سكان مئات القرى الكوردية والأقليات المسيحية الى هجرة قراهم وبساتنيهم”.

بسبب القصف التركي، ممكن ان نشهد اندثار المناطق الطبيعية، لان المنطقة أصلاً تتعرض الى تغييرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار، وان مساحة دونم واحد يحترق، فانه يؤدي الى ازالة اكثر من 200 شجرة، اضافة الى حرق الكائنات المجهرية داخل التربة، ولاستعادة الحياة الى هذه المناطق وبشكل طبيعي “نحتاج الى حوالي 25 سنة على الاقل في ظرف مستقر ودعم مالي ضخم وامطار وثلوج”، حسب ما اوضحه محمد.

تداعيات الحرب على البيئة

أكثر من 40 ألف دونم من الغابات وأراضي الاحراش (المراعي) قد احرقت ودمرت

تتأثّر البيئة بشكل كبير بالعمليات العسكرية وشنُ الحروب، منها هجرة الإنسان لبيئته الى مناطق اخرى جديدة، مما يشكل عبئاً على المناطق الجديدة من ناحية المعيشة والصحة وتفشي البطالة وغيرها من العوامل، إثر نشوب الحروب، وكذلك موضوع حرق وإزالة العديد من الغابات، وما يترتّب على ذلك من مشكلات أخرى مثل تآكل التربة، قلة المياه الجوفية والسطحية وهجرة الطيور والحيوانات البرية لملاذهم الآمن، وتلوّث المياه والأرض بآثار مخلفات الحرب وقد يستخدم بعض أدوات الحروب غير الشرعية، مثل مبيدات الأعشاب، ممّا يتسبّب بمشاكل بيئيّة قد تحتاج بعدها المناطق المستهدفة إلى عقود طويلة حتى تعود إلى طبيعتها. إدخال أنواع من النباتات والحيوانات إلى موطن جديد غير موطنها الأصلي.

وبشأن الدمار الذي احدثه القصف التركي، لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الأضرار والخسائر التي التهمت الغابات والمراعي وبساتين الفواكه المثمرة والنباتات الطبية النادرة، التي قد يكون تواجدها فقط في غابات المنطقة لانها لم تستخدم لحد الان في الصناعات الدوائية بسبب ظروف عدم الاستقرار والقصف المستمر، ولكن معظمها يكون قد اتلف بسبب الحرائق، ولكن يمكن القول “بان أكثر من 40 ألف دونم من الغابات وأراضي الاحراش (المراعي) قد احرقت ودمرت” حسب تقديرات محمد.

القصف التركي على مناطق دهوك ونينوى، بدأ بالتصاعد منذ مطلع العام الحالي، وخاصة بعد زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الى انقرة، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وأبلغه بعجزه عن تنفيذ “اتفاقية سنجار” الهادف الى القضاء على حزب العمال الكردستاني، وبحسب ما تداولت وسائل الاعلام فان الكاظمي منح الضوء الاخضر لاردوغان لشن هجمات داخل الاراضي العراقية. 

مراعي النحل تحت النيران

خلال 4 سنوات لن تبقى هناك زراعة اذا انقرض النحل

الهجمات التركية، لم تقتصر اثارها على الغابات والمناطق الطبيعية، بل تعدتها الى “النحل” فهو الاخر لم يسلم من هذه الهجمات. النحال اسماعيل ابراهيم، وهو من اهالي سنجار، يروي لـ”الخط الاحمر” انه منذ كان عمره 18 عاماً، تمكن من الحصول على خليتين في عام 1999، وطور عمله بعد ذلك حتى امتلك 400 خلية نحل، لكنه فقدها جراء الحروب في المنطقة.

والتعامل مع النحل بدأ يصعب بسبب الاوضاع الجوية والقصف في الجبال، حيث اصبح يؤثر على عمل النحال في كل الجوانب، في ظل عدم وجود أي دعم حكومي للنحالين، إذ احياناً ينقل النحال خلاياه من مكان لاخر بغية الحصول على الوضع المناسب، وهذا النقل غالباً ما يتسبب بموت النحل، لاسيما وانه يحتاج لمناطق تكثر فيها الورود والاشجار والقداح والامطار.

إبراهيم أكد ان القصف حرق مراعي النحل بالكامل والاراضي ولايبقى الورد في المكان، فمنطقة كيستا وادنا وهروري حرق فيها الكثير من النحل ولم يبقى فيها سوى “200 الى 300 خلية فقط”، بالاضافة الى ان 5 قرى لم يبقى فيها نحل والجبال حرقت ايضاً.

 “وفي حال خسرنا النحل، فأن 70 بالمائة من الاشجار التي يعيش عليها الانسان ستموت، وخلال 4 سنوات لن تبقى هناك زراعة اذا انقرض النحل”، هذا ما حلله ابراهيم.

وبموازاة هذا الحديث، يؤكد النحال في قرية قمري بمحافظة دهوك شمان قمري، خلال حديث لـ”الخط الاحمر” انه نقل نحله من مكان لاخر ثلاث مرات بسبب القصف التركي، مؤكداً “خسرت الكثير من النحل بسبب الحرق الذي تعرضت له الاراضي في القرية”.

ويتابع “الحيوانات البرية تموت، مثل الارانب والغزلان وحيوان القبج بسبب القصف التركي”، مبينا “مهنة تربية النحل هي هواية ولايمكن ان نتركها مهما خسرنا”، واصفاً التعامل مع النحل بـ”اشبه بالتعامل مع الاطفال”.

كل ادوات الحروب والاسلحة المستخدمة، لها تاثيرات على البيئة سواء تاثيرات كيمائية او فيزيائية او حتى تهديد على الحيونات وهجرتها، بسبب اصوات الاطلاقات في المنطقة سواء من القوارض وغيرها، ومثلما هنالك تاثير على الانسان هناك تاثير على الحيوانات والكائنات الحية الاخرى.

وبسبب المشكلات بين حزب العمال الكوردستاني والاتراك، كما القوات التركية تعتبر كل الموجودين على الحدود متهمين بالتعامل مع العمال الكوردستاني، اضطر “المزارعين الى ترك اراضيهم الزراعية وصيادي الاسماك لم يستطيعوا الوصول وعبور المناطق، كما تم قتل عدد من اهالي القرى من دون اكتراث” بحسب عضو جمعية حماة دجلة، سلمان عبد الله.

ويشير الى ان “الاثار السلبية موجودة، والغابات حرق منها جزء كبير وكل الاحياء تضررت في المناطق الجبلية ومناطق كاملة اثرية بدأت تتأثر”، مؤكداً ان “هنالك هجرة داخلية بدأت في مناطق معينة في العمادية لاجل الابتعاد والهروب من القصف التركي، بسبب خوفهم من الطائرات المسيرة التركية”.

ومنذ مطلع العالم الحالي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الانزال الجوي، فضلاً عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة الى إعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلاً لعناصر حزب العمال الكوردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية الى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع شمال غربي نينوى، ويعد موطناً لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق، والذي تعرض الى إبادة على يد تنظيم داعش في آب اغسطس 2014، حيث اختطف التنظيم آلاف النساء والاطفال، فضلاً عن قتل آلاف آخرين، ومؤخراً تم الاعتراف بما تعرض له المكون كـ”إبادة جماعية”، في العديد من بلدان العالم.

وقد وقعت بغداد وأربيل في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي“، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كوردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK”.

ووفقا لمعلومات خاصة، فأن الكاظمي أبلغ أردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكوردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.

وبحسب بعض المصادر، فان لتركيا 27 قاعدة عسكرية بما فيها مراكز تدريب لجنود أتراك في إقليم كردستان العراق، بينما أقر رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدرم في العام 2018، بوجود 11 قاعدة عسكرية، قائلا “قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل التوغل إلى حدودنا”.

وتنتشر القواعد التركية في مناطق: بامرني، شيلادزي، باتوفان، كاني ماسي، كيريبز، سنكي، سيري، كوبكي، كومري، كوخي سبي، سري زير، وادي زاخو والعمادية وزليكان شمال شرقي الموصل.

VIAنبأ مشرق