’’ يعد الدجل والشعوذة من أبرز الظواهر الاجتماعية المنتشرة في المجتمع العراقي، وتستخدم من قبل الأفراد لحلّ مشكلاتهم، وهي ظاهرة تعود لأسباب عديدة قد يكون اليأس أحدها، الكثير يعتقد ان السحر هو طاقة، ومن خلاله قادر على تغيير حال الانسان الى الاحسن، لكن الطب النفسي يرفض القول بصحة هكذا معتقدات لا تنتمي للعلم’’

جمانة ستار (اسم مستعار)  تعيش بحالة من التشتت والضياع بسبب تعلقها حباً برجل. لم تثمر تجاربها من اجل الزواج به … وفي منتصف حديثها مع  صديقتها المقربة اقترحت عليها الاخيرة اللجوء الى شيخ روحاني لجذبه وجعله كالخاتم بأصبعها… تحدثها عن معجزاته في فعل ذلك وان الامر لايكلف سوى قليل من المال وطلبات بسيطة.

 صديقتها، تعرض عليها الرسائل والاستبشارات في حساب الانستغرام للشيخ الروحاني، تلح عليها في مراسلته وان هو الشخص الوحيد الذي سيجعل قلبها يهنأ بقصة حبها الحزينة. تضغط على زر المراسلة يتأخر في الرد لنصف ساعة ومع لهفة الانتظار تطمئن نفسها قد انتظرت كثيراً لا يضر ان طالت بضع ساعات.

 تتلقى الرد بأسلوب يتميز بالثقة والجدية والوعود بأن ما تريده الفتاة العشرينية جمانة ستار سوف تناله مع ذكر اسمها واسم امها  واسم الحبيب وامه وشرطه بحضور الجلسة وهي بـأيام “الدورة الشهرية”  وهذا الشيء أثار استغرابها اول وهلة! الا ان فرحتها امحت ذلك الاستغراب، يطلب منها ارتداء قميص نوم احمر بلون الدم وبقماش حريري  ناعم مع مبلغ مالي قدره مليون دينار عراقي (700دولار امريكي) يتم تحويله عن طريق احد مكاتب الصيرفة دفعة واحدة قبل الجلسة، ثم حدد الموعد لإتمام الجلسة الساعة الثانية عشر تأتي اللحظة المنتظرة.

 يبدأ بسؤالها عن العمر وهل هي عذراء تسلل الخوف والقلق داخلها يتبعه طلب كانت تتمنى ان لا يكون  بفتح الكاميرا لإتمام العمل تتردد للتنفيذ يزجرها بصوته هل تريدين ان تجتمعي بحبيبك ام لا؟ تتلعثم بالجواب. نعم لكن يقاطعها بلا لكن تنصاع لأمره تغمض عينيها مع قراءته كلمات غير مفهومة ثم ينهي الجلسة بتوجيهها ان  تغسل القميص وترش مائه امام عتبة باب الشاب وتتنظر ثلاث أيام ليتحقق ما تريده، مرت الايام ولم يتحقق شيء بل قرر اهل الشاب الانتقال لمكان اخر واستلامها رسالة من الشيخ الروحاني بأرسال ضعف المبلغ والتهديد بمقطع الفيديو المسجل لها، تلوم جمانة نفسها بما آل اليه مصيرها وبخسارتها وانها اصبحت طعم يسحب به مادخرته من مال لسنين وان مشكلتها جعلتها تلعن كل لحظة تبعت فيها قلبها. 

’’ تتعد أشكال وأنواع السحر، حيث تبدأ من الايمان بالأبراج وقراءة الكف والفنجان إلى الذهاب الى المشعوذين الذين غالباً ما يكونون رجالاً’’

وبهذا الشأن تتحدث الباحثة النفسية وماجستير في الارشاد النفسي والتوجيه التربوي “فاطمة عبد المنعم” مفهوم السحر بحد ذاته من منطلق ان السحر قادر ع تغيير الفرد، الموقف، بعض القرارات من حالة إلى اخرى.

وهذا وفق “ايمان واعتقاد الكثير ممن يعتقد ان السحر هو طاقة، ومن خلاله قادر على تغيير حال الانسان من العزوبية إلى الزواج وهاجس العنوسة”

وحتى الرغبة في الانتقام من الاخرين قد تلجأ بعض النساء إلى اعمال الشعوذة، لغرض إيذاء احد وغيرها بينما لا تلجأ النساء إلى الطب النفسي، لأن الطب النفسي يرفض القول بصحة هكذا معتقدات لا تنتمي للعلم، وتضيف عبدالمنعم الى ذلك “أن  النساء يذهبن للسحر كنوع من الهروب من مآسي ومصاعب الحياة ومخاوف لديهن وانعدام الوعي وان قلق النساء من المجهول هو الاعلى مقارنة مع الرجال” كل ذلك يعتبر العامل الأول في إقبال النساء على اللجوء لعالم السحر بينما الطبيب  النفسي هو من يهدم هذه الخرافات بالعلم والمنطق، أذن السحر بطبيعة مفهومه عند النساء، “يؤمنون ان السحر فقط هو من يغير حالهم وبسرعة، وكما يرغبون”. 

السحر يؤيد أفكار واعتقاد الاخرين، بمعنى عندما تذهب المرأة إلى الساحر لغرض طلب تسهيل الزواج نجد ان المرأة لديها اعتقاد ان جارتها او اقاربها تحسدها او فلانة عملت لها سحراً كي لا تتزوج هنا يأتي دور الساحر الذي يؤيد كل ما تؤمن به هذه المرأة ويخبرها ان فلانة هي من عملت لها سحراً وان فلان يحسدها وهنا يتم ثتبيت معتقداتها واليقين من الشكوك.

حب السيطرة والوجاهة الاجتماعية تدفع الرجال الى السحر

’’دافع حب السيطرة والحفاظ على سلطة معينة او الحصول على المنصب، جعلت الرجال اكثر من النساء مندفعين تجاه السحر’’

يتصل احمد امير (اسم مستعار)  بالشيخة  تطمأنه انه سوف يحصل على ما يريد ويجب عليه  ان يحضر ما كتب في القائمة، ديك اسود وزيت زيتون، فالديك سيذبح وتمرغ دمائه على جبينه لتجلب الحظ الحسن له، وترفع درجته الوظيفية، ونصف مليون لإتمام مايريده فقد سئم الأنتظار والمطالبة بترقيته لمنصب اعلى فهو مصاب بسوء حظ منذ ولادته، ويجب ان يغير ذلك لتتحسن اموره المادية، فلا بأس ان يخصص جزء من راتبه لتحقق ذلك.

 يجلس “احمد امير” في غرفة تعج بالناس على ارضية فرش عليها بساط احمر وحيطان تملأها صور لرموز دينية وآيات قرآنية، يدخل على الشيخة  حسب تسلسل احرف  اسمه يقدم الديك الاسود ويذبح تحت رجله اليمنى، ويأخذ من دمه يمسح بجبينه لإزالة النحس، ويقرأ على الزيت بصوت هامس ليدهن به جسده كل ليلة، وان يصبر شهر واحد لتجلي ذلك، يمر الشهر والشهرين وتليها حول كامل ولم يتغير شيء.

الباحثة الاجتماعية جنان حكيم ترى ان الرجال اكثر من النساء مندفعين تجاه السحر، “وعندما لاتكون له شخصية قوية يحاول الحصول عليها بالسحر”، قد تكون أهدافه بدافع حب السيطرة، أو الحفاظ على سلطة معينة، أو حتّى مشاكل نفسية خاصة.

موروث عائلي لحل الازمات النفسية

’’احساس النساء بالضعف يدفعهن لجلب قوة اضافية من خلال السحر والشعوذة’’

لم يعد شيء يروي ظمئها بما يخبئه القدر لها فلا الكشف بالفنجان ولا الرمل ولا أي طريقة  تشبع شراهتها سمعت الشابة شروق عزيز (اسم مستعار) ان ثمة قارئة تاروت فأسرعت للتواصل معها، اخذت تاريخ ميلادها وعقدت نيتها بما تريد الا ان ذلك لم يفي بالغرض حتى بعد ما سمعته بأذنها لا يقنعها، فهي تريد المزيد. فقد اعتادت منذ صغرها ان تذهب مع والدتها للعرافين وكاشفي الطالع والقراءة بالفنجان وعيدان الثقاب، وعندما كبرت وباتت شابة يافعة  قررت ان تتعلم هي طرق التنبأ في المستقبل، قامت بشراء اوراق التاروت والشموع المعطرة .. افتتحت حساباً باسم “السماء السابعة” انهالت عليها الرسائل لكشف امورهم العاطفية والعملية، غمرتها السعادة بزيادة المتابعين للحساب ووفرة الربح لذلك، وفي يوم يعج بالزبائن تتلقى طلب صداقة غريب على حسابها الالكتروني، لا تكترث له ثم ينهال عليها  بالتهديد المبطن لها بمعلومات عنها والتهديد بنشر بياناتها على مواقع السوشل ميديا اذا لم تحذف الحساب نهائيا، لحظتها شعرت بالخطر والفضول من وراء ذلك فقامت بغلق الحساب تجنباً لمشكلات اكبر.

تعلل الباحثة الاجتماعية  جنان حكيم ايضاً اسباب التمسك بالسحر بسبب التربية  والاعتياد منذ الطفولة على رؤية هذا الامر بأنه شيء طبيعي، فتتعلم الفتاة على استخدامه او اللجوء الى المختصين بفعله، وتجده طريقاً سهلاً لحل مشكلاتها بدل المواجهة وبحكم الضغط النفسي  والظلم الاجتماعي تستخدم السحر كواحدة من الحيل التي تلجأ إليها لتحقيق رغباتها أو الانتقام، خاصة مع إحساسها الدائم بالخطر والظلم، موضحةً أن “النساء الطرف الأضعف فى المجتمع، فإحساسهن بالضعف يدفعهن لاستجلاب قوة إضافية من خلال السحر والشعوذة”.

السحر حل للحصول على طفل

’’ الايمان بالخرافات والسحر لا يزال بمختلف المجتمعات، وخاصة هناك برامج تلفزيونية مدعومة يظهر عليها السحرة’’

امنيتها بان تملك طفلاً باتت رغبتها الوحيدة في هذا العالم، ارهقتها سنوات الانتظار ومراجعات العيادات الطبية والسؤال المتكرر متى تصبحين ام. تدمع وداد ناظم (اسم مستعار)  عينيها وهي ترى اطفال الآخرين يلعبون بالقرب من منزلها تبتسم لهم وفي قلبها غصة ان تكون ام لأحدهم.

استوقفها اعلان شاهدته على التلفاز لشيخ روحاني يعرض قدراته بفتح القسمة ورجوع المطلقة وفك السحر والتابعة والحصول على الحمل. انتفضت واسرعت بكتابة الرقم لتطلبه اتاها الرد سريعاً وحدد موعد اللقاء في المكان والزمان المحدد، لم تخبر احداً بما تريد فعله لعل ذلك يحقق طلبها، قابلت الشيخ وبدأ بقراءة القرآن على رأسها وموجهاً نظره لعينها وشارطا عليها ان تشتري سمكة كبيرة تثقبها بدبابيس وتردد الكلمات المكتوبة بالورقة وتدفن تلك السمكة بالقرب من قبر طفل توفي حديثا، حيرها الطلب وكيفية اتمامه فهي لا تفقه شيء بهذه الامور، اصرت على اتمام العمل، ذهبت لأحدى الدفانين ودفعت له اجراً للحفر ولم يهدأ بالها حتى رأت بأم عينيها السمكة تدفن بالقرب من قبر الطفل، شعرت بنشوة الانتصار وان حلم الامومة سيصبح حقيقة، مر شهران على ذلك وبدأت بشائر الحمل تظهر عليها شكرت الله والشيخ على ذلك اقترب موعد الولادة وسمعت اول صراخ لمولودها عانقته وقبلته لم تسع فرحتها الكون، حرصت على الاهتمام به وان لا يمسه سوء وفي لحظة غفلت بها عنه فقدته نتيجة ارتفاع درجة حرارته المفاجئة، مما زاد من تكدرها ويأسها ودخولها في أزمة نفسية وان يذهبوا بها لشيخ يقرأ عليها لعلها تشفى.  

علم النفس والسحر

بالعودة الى  الباحثة النفسية فاطمة عبدالمنعم، اوضحت انه ومع تعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية وتأخر الزواج والانجاب والفشل في العلاقات العاطفية، تلجأ النساء إلى السحر كنوع من الحل، فبدلاً من الذهاب إلى باحث اجتماعي او معالج نفسي، يذهبن الى الساحر واسباب ذلك مختلفة، بحسب ثقافة واعتقاد النساء اللواتي يذهبن الى السحر فمنهن  ثقافتها بسيطة او تكاد تكون منعدمة، والبعض منهن خلال عملية التنشئة الاسرية تنشأ وسط نسق اسري يؤمن بهذه الخرافات.

وبتعدد أشكال السحر تتعدد اسباب ذهاب النساء الى السحرة وهذا لا ينفي ان هناك بعض الرجال يلجؤون الى السحرة ايضاً، لكن النساء هن الاكثر، فهل هناك فروق فردية في سيكولوجية المرأة والرجل في الاقبال على السحر والشعوذة.

وتنوه فاطمة  ان المعتقدات التي تؤمن بالسحر هي الاقل تأثيراً بمتغيرات وتطور العصر، بمعنى هناك الكثير من المعتقدات السائدة في زمان ما، اندثرت اليوم واصبحت من الماضي، في حين الايمان بالخرافات والسحر مازال بمختلف المجتمعات، وخاصة هناك دعم اعلامي يروج إلى هكذا برامج تدعم عالم السحر، ويظهرون بحلقات تلفزيونية مع مشعوذين والملاحظ عدد الاتصالات التي تتم كثيرة.

الفلاسفة والسحر

’’الفلاسفة هم أول من حارب السحر و المشعوذين’’

من منطلق ان الفلسفة تعلمنا كيف نفكر اذن لابد أن يكون هناك موقف إزاء السحر مثلاً، بقراط، وهو فيلسوف يوناني كان يلقب ب “أبو الطب” وهو أسس نظرية الاخلاط الاربعة، حيث قديماً كان الكهنة ورجال الدين يقولون ان المريض النفسي وحتى مرض الصرع، يصاب به الانسان بسبب أرواح شريرة تتمكن منه. وكانوا ينظرون للمريض النفسي نظرة سيئة عليه غضب الإلهة من السماء، أو بسبب أن المريض هو ذو روح شريرة. حتى جاء بقراط وحارب الكهنة ورجال الدين واستطاع الدخول إلى المعابد هذه، وشرح في كتاباته كيف ينشأ المرض، وان لا علاقة للخرافات بنشوء هذه الامراض.

السحر في الشريعة والقانون 

ويقول الباحث والاكاديمي الاسلامي حسين المجاب على أن “الشريعة الاسلامية تقف بالضد وتحرم السحر بكل انواعه، وبالتالي لا يمكن أن يقال أن هذا السحر صالح وهذا سحر غير صالح، هذا سحر من اجل محبة او هذا سحر من اجل الكره، لأن السحر واحد بعنوان هو ترك الله والالتجاء الى هذه الألاعيب التي تتجسد بهذه المظاهر المضرة في كل عصر وزمان”

‏‎قانونياً، يؤكد الخبير القانوني أمير الدعمي، أن “المادة 456 من قانون العقوبات نصت على تطبيق عقوبة الحبس بحق من يستعمل الطرق الاحتيالية او يتخذ الكذب سبيلاً في التعامل عن واقعة معينة”.

‏‎وأضاف، أن “قانون العقوبات العراقي أوجد للشعوذة المادة 456 المتعلقة بالاحتيال والتي تعاقب بالسجن من سنة الى 5 سنوات”.

وللوصول الى نتيجة لابد من القضاء على المسبب بالمراقبة ومحاسبة من يروج لأعمال الدجل الكترونياً وفي الواقع. 

VIAنغم مكي