عشرون عاماً بعد سقوط النظام السابق لم يتطور القطاع التعليمي “عنف وتدهور في البنى التحتية ومناهج دراسية وطرق التدريس القديمة لا تماشي التطور التكنولوجي المعاصر”

قطاع التعليم بعد سنة 2003 خارج اهتمام المنظومة السياسية ومن أبرز المشكلات التي تواجه المؤسسة التعليمية الإهمال من قبل صناع القرار، والنظام الجديد استلم تركة ثقيلة من النظام السابق … فترة الحصار وانعكست على واقع المعلمين والسير اغلب الحكومات على الأخطاء التي تركها النظام السابق.

أثقلت  كاهله المصاريف الدراسية واللوازم المدرسية وزادها مصاريف علاج ابنته، الطلبات لا تنتهي أجور التعليم باهظة الثمن ولا يرى نتيجة تثلج قلبه. أخبرته ابنته أنها بحاجة للمال لاستنساخ بعض الأوراق الرسمية فقد طلبت الإدارة منهم لإكمال إجراءات ما يسمى بمعونة الطالب وأن تشتري نوع معين من الدفاتر يقول “عباس هيثم” ولي امر احد الطالبات في إحدى المدارس الابتدائية في البصرة.

 ابنته تعاني من داء السكري وفي مرة اضطرت لدخول حمام الادارة بسبب الوضع المتردي في حمام الطالبات وعدم توفر المياه فيه، نهرتها المدرسة وضربتها على كف يدها وأن ذلك يخالف  تعليمات الادارة ولشدة خوفها لم تدخل المرافق الصحية للمدرسات ومرة فعلتها على نفسها حتى لا تضطر لدخول حمام المدرسات، وهذا كاد ان يسبب لها ازمة سكر، يقول هيثم اضطررت ان انقلها الى مدرسة اهلية تراعي مشكلاتها الصحية فهي خسارة مالية في كلتا الأحوال لكنها تضمن سلامة ابنتي، مضيفاً انا رجل غير متعلم فلا اريد لأبنتي نفس المستقبل.

انغلاق الافق امام الطلبة يجعلهم يتسربون من المدرسة 

’’غياب مفهوم التعليم الإلزامي بدلاً من أن تذهب المنظومة السياسية لإقرار قانون التعليم الإلزامي ذهبت إلى إقرار قانون التجنيد الإلزامي’’

ينوه الكاتب والباحث علي البيدر الى التسرب الذي يحصل يأتي جراء انغلاق الافق امام الكثير من الطلبة وعوائلهم وقد يوجد لدى بعض العوائل أبناء اكملوا الدراسة ولم يحصلوا فرصة عمل من هنا يتساءل “لماذا نتعلم اذا كان الأفق مغلق أمامنا ولايوجد اي حلول من قبل الدولة” وفي نفس الوقت قد يذهب المتسربين  للحصول على فرصة عمل او قد تكون حالة العائلة فقيرة لا تستطيع الإنفاق على أبنائها.

 في المقابل غياب مفهوم التعليم الإلزامي بدلاً من أن تذهب المنظومة السياسية لإقرار قانون التعليم الإلزامي ذهبت إلى إقرار قانون التجنيد الإلزامي.

مشكلات التعليم في العراق

’’الأمية أصبحت ظاهرة في العراق، وأن عدد المعلمين بعد تثبيت المحاضرين تجاوز المليون’’

البيدر، أشار الى أبرز المشكلات التي تواجه المؤسسات التعليمية، هي “غياب الدعم المادي” لذا نجد في بعض الدول المدير له صلاحية كبيرة في أن ينفق ولديه موازنة، أما في العراق هذه الأمور تحتكر لمسؤولي وزارة التربية، فالإنفاق الحكومي بشكل جمعي على المؤسسات التعليمية بحدود 15% والذي لا يصل الإنفاق منه الى 5% وهذه نقطة تمثل قضية يجب اعادة النظر بها ويجب أن تولي حالة من الاهتمام، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية شغلت حكومات وصناع القرار عن التفكير بالمؤسسة التعليمية.

نقيب المعلمين العراقيين، عباس كاظم السوداني في تصريح متلفز، أكد أن الأمية أصبحت ظاهرة في العراق، مشيراً إلى أن عدد المعلمين بعد تثبيت المحاضرين تجاوز المليون.

وقال السوداني إن عدد المعلمين في العراق “تجاوز المليون، بعد قرار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتثبيت المحاضرين، كما تجاوز عدد التلاميذ في العراق 13 مليوناً”، موضحاً أن ما تشمله العملية التربوية في العراق هي أن “نسبة توزيع الطلاب في المحافظات عدا إقليم كوردستان غير متساوية، وذلك يتعلق بالمنطقة والمحافظة، إلى جانب الكثافة العددية للتلاميذ والطلبة داخل المدرسة والصف، إضافة للدوام الثنائي والثلاثي”.

السوداني، أشار إلى أن التراكمات في زمن النظام السابق أثرت سلباً على الواقع التعليمي في البلاد، لافتاً إلى أن “البنية التحتية” من أبرز المعوقات في العملية التربوية بالعراق، والتي تتمثل بالنقص الكبير في أعداد المدارس، مشيراً أن نقص المدارس أثّر على “أداء المعلم والمادة العلمية للتلميذ، نظراً لوجود صفوف مزدحمة بالطلبة، والتي تصل أعدادهم أحياناً إلى 80 – 100 طالب في الصف الواحد”، مبيناً أن هذه المشكلة “لم تعالج بشكل كامل”.

وتابع “كانت هنالك علاجات ترقيعية كبناء المدارس الكرفانية، أو شطر المدارس وبنائها، وهو ما أثر على التلميذ ونفسيته”، لافتاً إلى أن “لم يرتقِ المعلم للمستوى المعيشي اللائق ولم يأخذ حقوقه بالنسبة للسكن والضمان الاجتماعي”.

ويشير نقيب المعلمين العراقيين أن بعض المناطق في بغداد، تمتلك مدارس نموذجية، ويعود ذلك إلى قلة أعداد التلاميذ فيها، ومساحة المنازل.

وذكر أن مدينة الصدر، أو منطقة الشعلة الشعبيتين، تكتظّ بنمو سكاني كبير، وبالتالي يؤثر على المدارس فيهما، تزامناً مع النمو السكاني داخل العراق عموماً.

وبيّن أن عدد التلاميذ الذين التحقوا بالمدارس لهذا العام بلغ أكثر من مليون و400 تلميذ وتلميذة، بينما الواقع المدرسي لم يرتق للمطلوب، بسبب النقص الحاد في تلبية الاحتياجات.

وحول عدد المدارس التي يحتاجها العراق، كشف أنه فيما لو كان الدوام أحادياً سوف يبلغ عددها “13-14 ألف مدرسة”، بينما في الدوام الثنائي يبلغ “8 آلاف مدرسة”.

وقال إنه قدم مشروعاً بعنوان “المشروع الوطني لبناء المدارس”، لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في كانون الأول الماضي، ورد عليه أن اللجنة المشكلة لبناء المدارس سوف تعمل على ذلك.

الأثر النفسي والاجتماعي للعنف في المدارس

’’العنف يسبب كره للتعليم وعدوانية تجاه الكادر التدريسي والمقارنة تخلق منهم اشخاص ضعفاء لا يواجهون المجتمع’’

منذ دخولها مرحلة السادس الأحيائي، وهي تعيش في ضغط نفسي، لتدرك الوقت للحصول على معدل يؤهلها التخرج من الاعدادية والدخول في كلية تلبي طموحها، ما تدرسه لا يشابه اسئلة الامتحانات ولا طرق الشرح الذي تتلقاه من قبل المدرسة، فلا تعول على شرح المدرسة اضافة الى واقع الصف الذي تقضي فيه 7 ساعات يومياً فالمقاعد الدراسية معظمها غير مؤهل للجلوس والدراسة عليه، وهذا يسبب احيانا مشكلات بين زميلاتها في أحقية الجلوس.

 في الشتاء ترتعش من البرد فالزجاج مكسر ولا يوجد وسائل تدفئة ولا يسمح بارتداء جاكيت او قمصلة ملونة فهذا مخالف لتعليمات المدرسة تتحدث “صفا سعد”  طالبة في الصف السادس الاعدادي عن حادثة تعرضت لها وتقول عند حلول فصل الشتاء اردت شراء “سترة” تدفئ جسدي خاصة ان الصف الذي ادرس فيه بارد جداً فاخترت لون أزرق فاتح فهذا ما وجدته يفي بالغرض وفي اليوم الثاني وانا ادخل الصف نادتني إحدى المدرسات توبخني لأني خالفت الزي أجبتها ست “لا أملك غير هذه السترة”.

رفعت أصبعها بوجهي، وبختني، واعتبرت ردي قلة احترام، ولم تكتفي بذلك بل عاقبتني بنقص في علاماتي واعتبرتني غائبة في ذات اليوم، كل هذا سبب لي ضغط وألم نفسي لم يهم الكادر التدريسي سوى ان اكون عبرة لغيري وأن لا اكرر ما فعلت، فكرت مرارا بالانتقال لمدرسة اخرى الا ان الوضع لا يختلف عن مدرستي ربما اسوأ.

اخصائية علم النفس “آيات عادل” أوضحت قائلة، بما انه تخصصي علم نفس  قبل أن اصبح معلمة ادركت ان بعض الطلاب الذين يتعرضون للعنف داخل إطار المدرسة لا يستمرون بالدراسة، يتركون ويختارون الابتعاد، ويصبح لديهم رد فعل تجاه المعلم أو المدير الذي  مارس العنف اتجاههم، وتكون شخصيته عدائية تجاه زملائه وبعض الاحيان اتجاه المعلمين وقد تصل هذه المشاعر السلبية مع  عائلته.

عادل أشارت إلى الضغط النفسي الذي يشعر به الطالب أثناء الدراسة “سببه الرئيسي الاهل واستخدام أسلوب المقارنة بين زملائه والتهديد بالعقاب إذا لم يحصل نتيجة جيدة ترضيهم”، كل هذه الاسباب تؤدي لخلق شخصية  ضعيفة مهزوزة  لا يستطيع  مواجهة  المجتمع.

عائق نجاح التعليم ضعف الأمن

’’ضعف الأمن بعد  عام 2003 في العراق ، ساهم في القوة القبلية والعشائرية وباتت عائق أمام نجاح التعليم’’

يبدو واضحاً جداً على ملامحها التوتر تلامس اطراف اصابعها جبينها ثم تعدل نظارتها الزجاجية فنظرها بات ضعيفاً وساعة التقاعد اوشكت على القدوم، التدريسية نجاح محمد ذو خبرة خمسة وثلاثون عاماً في القطاع التعليمي، تسرد حكايتها في هذا المجال وتقول لا أستطيع أن أجزم أن التعليم كان مثالياً لكنه على الأقل عندما يتخرج الطالب ذو معرفة بالقراءة والكتابة ويحترم المعلم ويهابه فأنا لدي بعض الطلاب حين يرونني في مكان ما يخجلون ويسلمون عليّ باستحياء، لكن الآن مجرد ما اتحدث مع طالب او طالبة في اليوم الثاني اواجه مشكلة وتهديد بالعشائر، مسترسلة، إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: “هدم الأسرة، هدم التعليم، إسقاط القدوات”.

هذه العبارة او الاقتباس حالياً يمثل واقع المجتمع فابسط مثال لذلك حاسبت طالب  ولم افعل له شيء فقط حركة لساني وقلت له ماما “ليش ناسي الدفتر وما محضر الواجب”

عند طلوع الصباح وإذا بولي امره جاء للمدرسة ويسأل عني وابنه أخبره بأني ضربته وشتمته وانا والله لم افعلها وسمعت التهديد بأذني نحن من بيت فلان وشيخنا فلان وغير ذلك من كلام لا يمت للاحترام والأخلاق بصلة، ولولا بعض المعلمين اقنعوا ولي امر الطالب وبعض التلاميذ الشهود آنذاك لم يحدث، ربما كان مصيري قتل او فصل عشائري بمبلغ ما.

 نجاح توعز هذه الأسباب لإهمال وزارة التربية، وعدم المبالاة بسلامة المعلم وامنه، والضعف الامني وقوة العشائر كلها عقبة كبيرة في تطور التعليم، فالمعلم او المدرس او حتى الاستاذ الجامعي ليس من حقه ان يحاسب المقصر وعليه أن يفكر بنفسه قبل أن يتجرأ على ذلك.

وينص قانون حماية المعلمين والمدرسين رقم (8) لسنة 2018 وفق المادة 5 من هذا القانون العقاب بالحبس 3 سنوات والغرامة 10 ملايين دينار للاعتداء على المعلم أو المدرس وذات العقوبة تنطبق على الادعاءات العشائرية.

وحسب تقرير يونيسيف الصادر عام 2014 عن التعليم، فإن العراق ما قبل 1991 كان يمتلك أفضل الأنظمة التعليمية في المنطقة، وكانت نسبة الأمية للفئة العمرية من 15 إلى 45 أقل من 10%، واستمر ذلك حتى عام 1984، وكان معدل الإنفاق الحكومي على التعليم يبلغ 20% من معدل إجمالي الميزانية الحكومية، لتستمر المؤشرات في التراجع من 1991 وحتى 2003.

VIAنغم مكي