التحرر في كربلاء… صراع بين مواكبة الموضى والحفاظ على قدسية المدينة 

عند طريقها إلى مدينة كربلاء، من العاصمة بغداد، حيث زارتها أخر مرة عام 2016، كانت العباءة حاضرة في شنطة يد (ياسمين)، حيث تعرف أن هذه المدينة، لا تستقبل النساء دون لبس هذا الزي بالاضافة إلى الحجاب، وحتى عند الفتيات الصغار وصولا الى سن (9) سنوات أو كما يعرف سن التكليف الشرعي، وعند وصولها كانت المفاجأة حاضرة.

ياسمين الشكري، طالبة جامعية من سكنة العاصمة بغداد، تقول لـ(خط أحمر)، عند زيارتها الأخيرة الى كربلاء، إن “كربلاء أختلفت، وخاصة مركز مدينتها، تجولت ليلا ووجدت لبس النساء قد تغير، تغير جدا وكأني امشي في مناطق بغداد”.

وتضيف، “قد اكون ندمت قليلا لأني لم اجلب ملابسي التي ارتديها هناك في مدينتي، خلعت عباءتي التي هي بالاساس لأمي، حيث كثير من النساء يمشن دون عباءة، وحتى الحجاب زينه، ليس حجابا شرعيا”.

للعارف بمدينة كربلاء، فهي تضم مرقد الإمام الحسين سبط الرسول، واخيه ابا الفضل العباس، حيث تعد واحدة من أقدس الأماكن لدى الشيعة في العراق والعالم، وقد تخلو المدينة من النساء السافرات حتى ممن يقدمن لزيارة المدينة ولو حتى برحلة عمل، حيث شوهدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق (جانين هينيس بلاسخارت) ترتدي الطرحة (الحجاب) وهي تتجول في كربلاء، التي يمنع دخول المدينة القديمة فيها لغير المحجبات المرتديات للباس الاسلامي، فهناك لجان خاصة تعود للامانتين العامتين للعتبتين المقدستين الحسينية والعباسية اللتين تديران المراقد المقدسة في المدينة تمنع تلك النساء من الدخول.

قانون نضم قدسية المدينة ويعارضه الشباب 

قانون قدسية كربلاء، هو قانون محلي شرعه مجلس محافظة كربلاء عام 

2012، وكان من المقرر أن يدخل الخدمة عام 2017، إلا أنه لم يفعل حتى منتصف كانون الأول/ديسبمر 2018.

ويجرم هذا القانون الإجهار بسماع الأغاني واستخدام “اللغة البذيئة” وعرض الثياب النسائية الداخلية والتي وصفها القانون بـ”الفاضحة” في واجهات المحال التجارية، كما يجرم لعب الورق والقمار وبيع أو تداول أو تناول الكحول، وإقامة أي احتفال غنائي سواء في الاماكن العامة أو السكنية الخاصة، كما يحظر “التبرج”، ويمنع دخول النساء “السافرات” إلى المحافظة.

ويقول مقرر مجلس محافظة كربلاء السابق والمحامي الحالي حسين شدهان العبودي لـ(خط أحمر)، إن “قانون قدسية كربلاء يتضمن مواد قانونية تجرم وتعاقب على الكثير من الافعال والظواهر السلبية التي هي دخيلة على هذه المحافظة العزيزة على قلوب كل المسلمين”.

ويتابع “في الآونة الاخيرة وخاصة حلال السنتين الماضيتين ظهرت لدينا الكثير من المظاهر غير اللائقة ونحن نستنكر هذه الافعال ونقف بوجها بشكل كبير جدا”.

ويشير إلى أن “قانون العقوبات العراقي أيضا يجرم في الكثير من مواده ويمنع هذه المظاهر وهناك عقوبات شديدة جدا تصل إلى الحبس”. 

إلى ذلك، يقول فراس الغالي، أحد شباب كربلاء، إن “قانون القدسية، هو قانون جاء بدعم من السلطات الدينية في كربلاء، وبمجاملة من قبل الحكومة المحلية حينها (مجلس المحافظة)، والهدف الاساس منه معاقبة الشباب، أي هو ذريعة قانونية لمحاسبة من يعارض ويتكلم لكنه فشل”.

ويتابع أن “تلك السلطات تريد أن تبقي زخم الدعم الذي تحصل عليه، لذا فنحن أمام ناس لا تعرف الا مصلحتها والقانون بحد ذاته يعارض الحريات التي كفلها الدستور العراقي، إذن هم يريدون أن يبقوا في الميدان، في الواجهة وخاصة بعد أن أنتهت الحرب مع (داعش) فشرعوا هذا القانون الظالم، ونحن جميعا 

نرفض هذا القانون”.

بسبب تظاهرات تشرين صراع الموضى والقدسية اتسع

وعند المرور في منطقة حي الحسين، أكثر مناطق كربلاء تطورا، حيث يوجد بها شارع المجمعات التجارية (شارع السناتر) تجد المحال التجارية تعرض احدث الملابس النسائية وبعضها من (براندات) علامات تجارية معروفة، فيوجد اللبس القصير وملابس السهرة، وحتى الملابس الداخلية معروضة في واجهات المحال، في تحدٍ لكل قانون، بالاضافة إلى أن هناك الكثير من المتبضعات يلبس ملابس حديثة، كما وجدن في بعض الاحيان نساء سافرات يتجولن في هذه المحال.

ويقول محمد الحسيني، صاحب محل لبيع الملابس النسائية “قبل سنوات كنا نأتي بهذه الملابس لكن الاقبال عليها ضعيف (الملابس القصيرة وغيرها)، فغالبا أما نبيعها الى الزائرات القادمات الى كربلاء من محافظات اخرى، أو لنساء من كربلاء ولكن يتم لبسه في الجلسات العائلية الخاصة جدا، أو عند سفرهن الى العاصمة بغداد أو خارج العراق، لكن اليوم اصبحنا نرى ملابس لم نتوقع أن نرى نساء كربلائيات يلبسنه ويخرجن به للشارع”.

ويتابع “الوضع أختلف منذ مظاهرات تشرين، كل شيء اختلف، الثقافة واللبس وكل كل شيء”.

ويشير إلى أن “من يقول أن ما نراه في شارع المجمعات من نساء بهكذا لبس بأنهن من خارج كربلاء، نقول له إنك واهم، ففيهن من كربلاء، وهن نساء يواكبن الموضى، لذا نقوم بجلب هذا ملابس، أما عن قانون القدسية فإنه والحمد لله حبر على ورق”.

إلى ذلك، تقول هيام الخفاجي، موظفة في إحدى دوائر كربلاء، إن “مكان العمل هنا في كربلاء وخاصة الدوائر الحكومية، يكون لبس العباءة النسائية العراقية 

مفروض، فممنوع علينا عدم لبسها، وحتى المهندسات في مواقع العمل يلبسن هكذا”.

وتضيف “لكني خارج العمل البس ما اشاء، لكن أكيد احاول أن أمسك العصى من المنتصف، رميت العباءة لكني لم ارمي الحجاب، وهذا لا يؤثر على قدسية المدينة، وأيضا اهلنا يتفهمون التطور باللبس، مثل وقتهم، حبث كنت اشاهد صور امي في الجامعة فترة سبعينيات القرن الماضي، سافرة وتلبس فوق الركبة، فالشرف والعفة ليس له علاقة باللبس”.

مواكبة الموضى لا تعني ترك العادات 

هناك اتجاه آخر، حيث الكثير من الكربلائيات مازلن يحافظن على عاداتهن في اللبس مع تطوير قليل بمقدار التحرر المتاح من قبل العائلة.

وتقول أشجان زنگي، طالبة جامعية، إن “الحجاب وحتى العباءة ليست ضد الموضى، ومن يقول ذلك فإنه واهم، فكل شيء تطور، والموديلات تطورت ايضا، فهناك في اسواقنا ملابس خاصة للمحجبات، كما أن هناك ملابس للسافرات، ومن ارقى المناشئ العالمية”.

وتلفت إلى أن “التنسيق باللبس واختيار المناسب منها مع استخدام القدرة ومعرفة الملائم للوضع العام وعادات المدينة يجنبنا أي حديث عن خلل في قدسية كربلاء، فكل مدينة لها عاداتها، والتطور لا يلغي تلك العادات”..

إلى ذلك، تقول أم منتظر النقيب، خياطة ومصممة أزياء، إن “كربلاء معروفة بعادات اللبس فيها منذ زمن بعيد، فهي مدينة متدينة بطبيعتها، لذا يجب المحافظة على هذه العادات لكن مع مقدار من مواكبة الموضى والتطور العصري في اللبس”.

وتتابع أن “هناك تطورا كبيرا في اللبس لذا حتى العباءة ولبس المحجبات تم تطويره، حيث تجد أن هناك عباءات وغيرها تصل الى اسعار عالية، وهذا دليل 

على تقبلها ولها جمهور كبير”.

وتضيف “أعمل على العديد من العباءات والملابس للمحجبات وهي مواكبة للموضى وايضا لا تؤثر على قدسية المدينة، الحمد لله عليها اقبال كبير”.

تبقى كربلاء في صراع مابين الشباب الدي يريد أن يواكب صيحات الموضى العالمية، وبين من يراها مدينة دينية يجب أن يتناسب ما يلبس بها مع قدسية أماكنها ولو بالقوة من خلال القانون.