البهائيون.. ديانة منسية تبحث عن الاعتراف الرسمي

“نصلي ونصوم ونتقرب إلى الله”، بهذه الكلمات دافعت وجدان علي (52 عاما)، عن ديانتها البهائية، التي تعرضت للتهميش منذ ستينيات القرن الماضي، ولم يتم الاعتراف بها كديانة رسمية. 

علي، وهي ناشطة بهائية، تؤكد في تصريحها لـ”الخط الأحمر”، تعرضها هي وشقيقاتها ووالدها، إلى السجن في حقبة النظام السابق، لكونهم من الديانة البهائية، ولم يطلق سراحهم إلا بعد أن دفعوا غرامة مالية آنذاك.

ما تعرضت له علي، حدث لأغلب أتباع هذه الديانة، إذ عمد النظام السابق إلى ملاحقة من يتبع هذه الديانة ومنعهم من إقامة أي شعائر أو طقوس، ما دفع الكثير منهم إلى الهجرة ومغادرة العراق. 

ومن الإشكالات التي تعرض لها أتباع الديانة البهائية، في النظام السابق، هي إلغاء ديانتهم من هوية الأحوال المدينة وكتابة (مسلم) بدلا عنها، إذ لم يتم الاعتراف بالديانة البهائية، كما أن عقود الزواج بالنسبة لهم تكون وفقا لأحكام الفقه الإسلامي.

ويعود تأسيس أول محفل محلي روحاني بهائي في العراق إلى سنة 1919، كما يضم العراق بعض أهم المراكز المقدسة لدى الديانة البهائية، فإلى جانب بيت بهاء الله، هناك أيضا حديقة الرضوان وهي المكان الذي أعلن فيه بهاء دعوته العلنية، ولم يعد للبيت أو الحديقة وجود في الوقت الحالي.

والبهائيون من الأقليات الدينية الصغرى في العراق، ينحدرون من أديان مختلفة وخلفيات وأعراق متنوعة وينتشرون في مختلف مدن وقرى العراق وبعض دول العالم، وبسبب غياب الاعتراف الرسمي بهم، لا يوجد إحصاء دقيق لعددهم في العراق.

ولا يذهب بشار عباس، زوج الناشطة وجدان علي بعيدا، وهما مقيمان في السليمانية بإقليم كردستان، إذ يؤكد في تصريحه لـ”الخط الأحمر”، أن “نظام البعث أصدر قانون 105 لسنة 1970 والذي صادر فيه جميع حقوق البهائيين في العراق، وتلاه سنة 1974 بقرار تم بموجبه حذف حقل الدين البهائي من هوية الأحوال المدنية، واستبدالها بإحدى الديانات الإبراهمية، وبهذا الإجراء تمت مصادرة هويتنا الدينية بالكامل”. 

البهائييون، وبعد التغيير عام 2003، تأملوا أن يتم إنصافهم باعادة حقوقهم، عبر إلغاء القوانين السابقة التي صادرت هويتهم، “لكن على ما يبدو أن البهائية هي آخر اهتمامات الاحزاب الحالية”، كما تؤكد الناشطة علي. 

وأبدت الناشطة إمتعاضها من عدم اعتراف الحكومات الجديدة بالديانة البهائية، وعدم ذكرها من الزعامات والساسة في العراق، اثناء خطاباتهم عن المكونات والقوميات والديانات في البلاد. 

بمقابل موقف الحكومة الاتحادية تجاه هذه الديانة، فأن حكومة إقليم كردستان منحت أتباع الديانة البهائية الحرية الكاملة والعلنية للمارسة نشاطاتهم، وأعترفت بهم بشكل رسمي، لاسيما بعد أن أدرجت الديانة في وزارة الأوقاف والشؤون الديانية إلى جانب كل من الإيزيدية، والمسيحية، والكاكائية، والزرادشتية، والبهائية، والصابئة المندائية، واليهودية، وذلك وفقا للقانون رقم 11 لسنة 2007، الخاصة بوزارة الأوقاف في الإقليم.

كما أقر برلمان إقليم كردستان في 23 أبريل 2015، مشروع قانون يضمن حقوق الأقليات في السياسة والتعليم والمجالات الاجتماعية الأخرى.

السليمانية هي الملاذ 

وعن الانتقال لمحافظة السليمانية في إقليم كردستان، يوضح عباس: منذ سنوات طويلة أختارت عوائل بهائية الانتقال للسليمانية لأسباب عديدة، أبرزها ما يخص (بهاء الله)، الذي نعتبره نبيا لنا، فهو عاش بالسليمانية بعد الانتقال من إيران، وتحديدا في منطقة سركلو، وايضا لأن المدينة فيها حرية للأديان والأقليات، فهنا نلتقي ونقيم النشاطات دون عراقيل.

ويبلغ عدد البهائيين في هذه المحافظة، وفقا لعباس، فهو 300 شخص يعيشون داخل المدينة.

وتعود علاقة الدين البهائي بكردستان إلى السنوات الأولى من نشأته، عندما اختار “بهاء الله”، وهو مؤسس الديانة، الرحيل إلى كردستان في شهر أبريل 1854 للاعتكاف لفترة من الزمن بين جبالها، وقد ذكر بهاء الله أن كردستان هي الاستثناء في مسيرة حياته، فهو لم ينل راحة كتلك التي وجدها فيها، ويصف أيامه فيها بأنها كانت “أيام السلام والهدوء الوحيدة”.

عملاء!

ومن التهم التي واجهتها الديانة البهائية، هي ارتباطهم بالصهيونية، حيث اعتبروا صهاينة من قبل القوميين في ستينيات القرن الماضي، رغم أن الديانة تعود إلى عام 1868.

وحول هذا الأمر يوضح حسين حداد، أحد ممثلي الديانة البهائية في العراق، في تصريحه لـ”الخط الأحمر”، أن تهمة العمالة للصهاينة ألصقت بالبهائيين، رغم أن البهائيين لم يدخلوا المجال السياسي في ذلك الوقت، وهذا كان أساس مصادرة تحريم النشاط البهائي ومصادرة حريته بالكامل.

ويسرد حداد، بعضا من فقرات قرار مجلس قيادة الثورة المنحل، الصادر في عام 1970، الخاص بجريم النشاط البهائي، ومنها: يحظر على كل شخص ترويج البهائية أو الانتساب لأي محفل أو جهة تعمل على تلقين أو نشر البهائية أو الدعوة إليها بأي شكل من الأشكال، والمادة السادسة منه: يعاقب المخالف لأحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن 10 سنوات، قبل أن يتحول القرار إلى عقوبة الاعداد لاحقا.

وينتشر البهائيون في مختلف مناطق العراق، ووفقا لحداد فأن عددهم عام 1863، أي في زمن وجود بهاء الله، كان 6 آلاف شخص، أما الآن فقد تقلص عددهم لبضع مئات فقط بسبب المضايقات والقيود المفروضة عليهم. 

المعتقدات 

وبالعودة إلى عباس، فأن البهائية تخلوا من رجال الدين، هناك كتب يطلب من أي شخص بلغ الـ18 من عمره أن يطالعها ويختار دينه، لكنهم في ذات الوقت لديهم عبادات مثل الصيام والصلاة وقراءة الأدعية.

شهر الصوم لدى البهائيين يبدأ من 2 – 21 مارس من كل عام، واليوم الأخير هو عيد البهائية، كما أن الصوم ليدهم ليس فريضة، بل هو لأجل التقرب لله، كما يروي عباس.

وفيما يخص الزواج، فأن البهائية لا تمنع رجالهم ونسائهم بالزواج من الأديان الاخرى، وشروطهم بسيطة تتلخص بموافقة الفتاة والشاب أولا، ثم يوقعان على وثيقة قبول، تحمل توقيع ستة أطراف هي: والدا الفتاة، والدا الشاب، والفتاة والشاب، وفقا لعباس.

وتحولت البهائية في العراق من طائفة معترف بها قانونيا في فترة الحكم الملكي، إلى جماعة منبوذة إن صح التعبير أبان الفترة التي حكم فيها حزب البعث البلاد منذ عام 1968 وحتى عام 2003، ثم إلى ما يشبه بطائفة سرية بعد ذلك.

وتم تاسيس أول محفل روحاني بهائي في العالم عام 1931 في بغداد، كما يشير الدليل الرسمي للمملكة العراقية لعام 1936، وكان مكانه في محلة السعدون وسط بغداد، لكنه صودر وأصبح المبنى مديرية للأمن وزنزانتها، كما شيدوا مقبرة لهم في بغداد عام 1952 عرفت حينها بـ”الروضة الأبدية”.

ورغم أن الدستور العراقي أعطى في المادة 43 الحرية لأتباع كل مذهب لممارسة شعائرهم الدينية، وأن الدولة تتكفل بحرية العبادة وحماية أماكنها، كما نص على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز، إلا أن الأقليات الدينية والعرقية في العراق تعرضت إلى حملات إبادة جماعية وتهجير نفذتها مجاميع مسلحة متطرفة فضلا عن الاهمال السياسي والاجتماعي والثقافي.

وحول هذا الأمر، تؤكد رئيسة كتلة الفراتين في البرلمان العراقي رقية رحيم النوري، أن، أي طلب لم يصلنا بخصوص ما يتعلق بهوية البهائيين أو بشأن وضعهم القانوني، فهم يتميزون بكافة الحقوق التي يتميز بها أي مواطن عراقي آخر.

وتلفت في حديثها لـ”الخط الأحمر”، أن “البهائيين إذا كانوا يريدون أن تكون لهم هوية خاصة والاعتراف بديانتهم، فعليهم أن قدموا طلبا إلى السلطة التشريعية لنظر في الأمر ودراسته، لكن حاليا وفي هذه الدورة النيابية لم يطرح هذا الأمر ولم يناقش”.