التعاون لمواجهة كوفيد-١٩

قاعات ملعب الشعب الدولي لم تعد تستقبل الرياضيين للعب كرة القدم، بل انها أضحت مكاناً لحجر المصابين بوباء كورونا، بعد أن اكتظت المستشفيات الحكومية بالمصابين في الأشهر الماضية. تحدث معاون المدير العام لصحة الرصافة في العاصمة بغداد قائلًا: “تم استخدام (١١ قاعة رياضية) بملعب الشعب للحجر الصحي قدمتها وزارة الشباب والرياضة وتم تجهيزها بالمعدات الخاصة لمواجهة تصاعد الإصابات بوباء كورونا واستقبال أكبر عدد ممكن من المصابين الذين تعذر استقبالهم في المستشفيات. كما قررت السلطات الصحية أيضاً استخدام مجمع (معرض بغداد الدولي)، الواقع وسط العاصمة، كمركز للحجر الصحي”.

من جانب آخر، تلقت البنى التحتية الرياضية دعماً من وزارات أخرى. وقال حسين طالب، نائب مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية: إن “وزارة النفط قامت بعدة مبادرات؛ من أجل دعم جهود مكافحة الوباء، حيث قامت وزارتنا بتزويد قاعات ملعب الشعب بالمعدات التي تحتاجها الفرق الطبية”.  وأضاف طالب أن “الوزارة خصصت قرابة (مليوني دولار) لكل محافظة في جنوب العراق (البصرة، ميسان وذي قار) و (٢٠٠ ألف دولار) لكل محافظة في بقية البلاد. كما خصصت مدينة بغداد (مليون دولار) لدعم مؤسساتها الصحية، مما أتاح لها تجهيز غرف الحجر الصحي بشكل أفضل لدعم الكوادر الطبية في كبح الوباء الفتاك”.

في ذروته، كان الوباء قد استنفد تماماً البنى التحتية الصحية في العراق، حيث استقبلت مئات الآلاف من المرضى في غضون بضعة أشهر. وكانت المؤسسات الصحية العراقية في وضع يرثى له؛ نتيجة قلة الصيانة والاهمال، مما تسبب في نقص في المعدات الطبية في السنوات الماضية بالإضافة إلى مستويات لا مثيل لها من الفساد.

ومع اكتشاف أولى الحالات المصابة بفيروس كورونا المتحول، تتزايد المخاوف من اندلاع أزمة جديدة واسعة النطاق في العراق، مما أجبر الحكومة على زيادة جهودها لمواجهته. وشملت الإجراءات حظر التجول الجزئي، و تعليق الرحلات الجوية والدراسة في الجامعات والمدارس. 

قررت السلطات الصحية استخدام أرض “معرض بغداد الدولي”، والذي يقع في قلب العاصمة، كمركز لحجر المصابين بفيروس كورونا، وتبلغ مساحة المعرض أكثر من (٥ كيلو مترات مربعة). وقال الدكتور رضا الزهيري الذي يعمل في أحد مراكز الحجر الصحي ببغداد: إن “وزارة الصحة عملت في المدة الماضية على تهيئة وتجهيز مراكز لعزل المصابين بفيروس كورونا، بعد استثمار قاعات في معرض بغداد الدولي؛ من أجل تقليل الزخم في المستشفيات العامة، والاستمرار في تقديم الخدمات لباقي المرضى، وتوفير الانسيابية في استقبال الحالات المشتبه بها”. وأوضح الزهيري بأن “المراكز الطبية في المعرض تم تجهيزها بكافة المستلزمات الطبية، وتهيئة مختبر متخصص لفحوصات كورونا، ووحدات أشعة متخصصة، مع توفير سكن للطواقم الصحية التي تعمل في هذا المكان”.

كما تعاونت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تسليم بعض المساكن الطلابية بناء على طلب خلية الأزمة. وأوضح الدكتور أنمار الغفيل الباحث في جامعة ذي قار أن “تحويل المساكن الجامعية إلى مراكز للحجر الصحي وفر مئات الأسرة بالمستشفيات”. لكنه أضاف أن “ذلك كان له انعكاسات سلبية على الطلاب القادمين من محافظات مختلفة، حيث فقدوا أسرهم في الحرم الجامعي”. ومع ذلك، خلال العام الدراسي(٢٠٢٠\٢٠٢١)، يتم تقديم الدورات في الغالب عبر الإنترنت، مما أدى إلى حل مشكلة السكن. وقد تم إخلاء مساكن الطلبة منذ ذلك الحين من قبل المرضى، ولكنها تظل متاحة في حالة حدوث موجة ثانية من الوباء.

توسيع قدرة المستشفيات

دفاعاً عن المؤسسات الصحية العراقية، قال الدكتور أحمد الرديني، المتحدث السابق باسم وزارة الصحة لـ (الخط الأحمر) أنه “على الرغم من الأزمة المالية، نجحت المؤسسات الصحية في استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين بكوفيد -19، وتمكنوا من توفير الأوكسجين والمستلزمات الطبية وغيرها”. 

وأضاف الرديني أن “المؤسسات الصحية في البلاد استفادت من الوباء في اكتساب الخبرة في كيفية التعامل مع الأزمات والأوبئة وتطوير العراق. الخبرة الطبية والقدرة الاستيعابية”.

وقيّم الدكتور الرديني أن “إجمالي عدد الحالات بالمستشفيات لا يتجاوز (٨٪) من إجمالي السعة الاستيعابية للأسرة بالمستشفيات (في الوقت الحالي). ومع ازدياد أعداد الحالات خلال فصل الشتاء، فقد تم استخدام السعة السريرية لتصل إلى (٩٨٪) من أعدادها، ولزيادة هذه القدرة، تم عقد تعاون خاص مع العتبات الدينية (مراقد شيعية) في كربلاء (جنوبي بغداد)، حيث قامت المؤسسات الدينية بتوفير المباني التي تم تحويلها إلى مراكز حجر صحي”.

طاقم طبي منهك

ومع ذلك، استمر الغضب في النمو داخل القطاع الطبي في العراق. خرج الأطباء والموظفون العاملون في قطاع الصحة وتظاهروا في الأشهر القليلة الماضية بعد عام مرهق من التعامل مع الوباء. 

وأوضح الدكتور محمد عامر بأن “أسباب الإضراب تراكمية، لكن ما عجل بالتأخير في تعيين خريجي عام (٢٠١٩) في وظائف المستشفيات. كان من المفترض في البداية أن يقوم حوالي (٢٥٠٠ طبيب) بتزويد المؤسسات الصحية، ولكن لم يتم تعيينهم من قبل وزارة الصحة. وزاد هذا العبء على الكادر الطبي الحالي الذي يواجه الوباء”.

وأوضحت الدكتورة رنا العامري أن القانون العراقي لا يسمح بأكثر من (ثماني ساعات) من العمل المتواصل، “لكن الطاقم الطبي عمل بما يتجاوز طاقته، وأحيانًا ما يصل إلى (١٢ ساعة) متواصلة لعدة أيام متتالية. لكن هذه النوبات المرهقة لم تُسجل من قبل وزارة الصحة كساعات عمل إضافية. وعلى عكس المهن العامة الأخرى، واصل الطاقم الطبي العمل بدوام كامل في ظل الوباء”.

الاعتداء على الأطباء

أدى القلق والغضب الناجم عن عدم كفاءة المؤسسات الطبية في نهاية المطاف إلى وقوع حالات عنف ضد الطاقم الطبي. في ظل عدم وجود أي قوات لإنفاذ القانون في المستشفيات، استمرت هذه الهجمات طوال فترة الوباء وكان لها تأثير كبير على معنويات الطاقم الطبي. شارك الدكتور علاء الموسوي بعض الرؤى حول هذا الموضوع مع (الخط الأحمر) قائلاً: إن “نقص الأدوية والمستلزمات في المستشفيات ملأ عائلات المرضى بالغضب الذي تم توجيهه في النهاية نحو الهدف الأكثر احتكاكاً بالأهالي (الطاقم الطبي)”. وأوضح الطبيب أن “الضحايا حمّلوا الأطباء مسؤولية الوضع رغم أنه خارج عن إرادتهم”.

يضطر الأطباء في العراق للعمل في بيئات غير مناسبة بينما هم في الصف الأول لمواجهة الوضع الصحي المتدهور. وشاركت الدكتورة وفاء عباس تحليلها حول الموضوع، “يعاني الأطباء من عدم وجود بيئة عمل مناسبة. مع الطوارئ ونقص الأدوية يضطرون في كثير من الأحيان إلى إرسال أسرة المريض لشراء الأدوية الأساسية من الصيدليات الخارجية”، حيث يوضح هذا الموقف سبب الاعتداء اللفظي والجسدي على الطاقم الطبي.

وتلقى العديد من الأطباء تهديدات بالقتل في العراق بسبب التأثير الكارثي لفيروس كوفيد- ١٩ على المجتمع. عندما يقاوم الأطباء ويقدمون شكاوى ضد المعتدين عليهم، غالبًا ما ينتهي بهم الأمر بتهديد من قبل عشيرة الجاني (أسرته وأبناء عمومته)، مما يدفعهم لإسقاط الشكاوى. وطالب الأطباء، خلال مظاهراتهم، الحكومة بإتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان سلامة الكادر الطبي، بالإضافة إلى تطبيق حكم القانون ونظام قضائي عادل في حال تعرضهم للاعتداء.

الضغط والتهديدات التي تعرض لها المجتمع الطبي في العراق هي أعراض للعديد من الخلل الوظيفي الذي يواجهه العراق. وكما أوضح المتحدثون، نجح التعاون بين مختلف إدارات الدولة في تخفيف جزء من العبء على المستشفيات وسط ذروة موجة الأوبئة في عام (٢٠٢٠)، لكنه لم يكن كافياً.

وللتعامل مع هذا النقص، غالباً ما يأخذ العراقيون الأمور بأيديهم، حيث تم تنفيذ العشرات من المبادرات لتقديم المساعدات الإنسانية. اذ قدم هؤلاء المتطوعون قناني الأوكسجين للمرضى الفقراء. 

تحدث أحمد، وهو شاب متطوع، عن قصته وكيف أن العديد من العائلات لا تستطيع شراء هذه المادة المنقذة للحياة، قائلاً لـ (الخط الأحمر): إنه “غير متوفر بأعداد كافية في المستشفيات، لذلك نحتاج إلى توفيره بشكل خاص للمرضى الذين تم وضعهم في الحجر الصحي المنزلي”.

أما عن الشاب مرتضى الخالدي الذي يعمل ضمن فريق متطوع يسمى (أمل الحياة) يتألف من ٢٢ شخصاً، فهو وفريقه يجمعون التبرعات من الأثرياء لشراء سلال غذائية وتقديمها للأسر الفقيرة خلال فترة كورونا الصعبة.

وبدون إعادة هيكلة كاملة للمؤسسات ووزارة الصحة، فإن المآسي التي حدثت أثناء الوباء محتم تكرارها. بيد أن إنشاء خلية الأزمة، التي داخلت بين وظائف مختلف القطاعات وحفزتها على التعاون، خطوة إيجابية وضرورية، لكنها بعيدة عن أن تكون كافية للتعامل مع حجم الكارثة. وبما أن العديد من البلدان تواجه الموجة الثانية أو حتى الثالثة من الإصابات، فهل ستبقى الحكومة العراقية عاجزة وتعتمد على الأمل في أن السكان سيظلون بمنأى عن موجة جديدة؟

VIAمحمد العواد