اكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر… متصدرة محافظات العراق

المثنى جنوبي العراق افقر مدن البلاد ترتفع فيها نسبة الفقر الى 52 % مما يعني أن اكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر وان 17 % منهم يعيشون تحت سقف العشوائيات بواقع واحد وعشرين الف مسكن عشوائي ينتشرون بتجمعات في اطراف المدن ومركز المحافظة بحسب وزارة التخطيط.

اذا يعتبر تفشي فيروس كورونا والازمة المالية سبب رئيسي لزيادة نسبة الفقر في المثنى والعراق عموماً اذ ارتفعت خلال اخر عامين بمعدل 11 % وبواقع 4.5 مليون فقير في عموم البلاد.

الدار للبيع

يومياً يجلس علي فرحان “45 عام” بباب داره على كرسيه وسط العشوائيات بعد ان عرضها للبيع وكتبها بخط عريض على جدار منزله “الدار للبيع” بانتظار اي شخص علّ الطريق تصادفه لقراءتها وشراء الدار واعطاءه ثمنها الذي لا يتعدى سبعة ملايين دينار بسبب الحاجة للمال من اجل علاجه وعلاج زوجته التي تعاني من مرض عضوي.

فرحان واحد من آلاف الفقراء في المثنى الذين يسكنون في العشوائيات، يقول ” كتبت الدار للبيع لعدم امتلاكي النقود وأريد ان اوفر العلاج لنفسي وزوجتي المسنة التي تعاني من المرض والعمى، ليس لدي عمل ولا اعتمد على غير راتب الرعاية الاجتماعية البالغ ١٢٠ الف دينار في الشهر”.

واضاف فرحان انه كان يسكن في احدى القرى البعيدة عن مركز مدينة السماوة لكنه انتقل قبل سنوات الى حي الفقراء بمركز المدينة بسبب جفاف نهر قريته وشح المياه وتوقف الزراعة فيها.

لا يعاني فرحان من الديون المترتبة عليه فقط  بل من معاناتهم المستمرة على مدى عام كامل وخصوصاً في موسم الشتاء مع الامطار فيؤكد” في فصل الشتاء جميع هذه المنازل تغرق بالمياه بسبب الامطار لعدم وجود منظومة للمجاري وبزلها مما تتسبب ببرك من المياه الاسنة والملوثة التي تسببت بأمراض كثيرة وخصوصاً للأطفال الصغار”.

لا تتوقف المعاناة عند علي فرحان فقط، بل ان المعاناة تشمل جميع ساكني حي العشوائيات، فالحاجة “حضيه ام سعد 53 عاماً ” تقف عند باب منزلها وتعاتب بلهجة شديدة القدر وترثي حالها بسبب ثالوث الفقر والبطالة والحرب التي سرقت زوجها منها بعد انضمامه ومقتله مع احد الفصائل المسلحة لمواجهة داعش ابان حرب تحرير الموصل التي اجبره الفقر على الانضمام لها “نعاتب قادتنا الكبار لم يتفقدونا طيلة السنوات السابقة ولم يزرنا احد ابدا، ولا يأتونا الا في موسم الانتخابات، مات زوجي وتيتم اطفالي وبقيت وحدي اواجه مصير الحياة  ببيع “قيمر العرب” يومياً منذ الصباح في السوق”.

وتسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء الاسعار وحرب اوكرانيا بزيادة معاناة شريحة الفقراء في العراق مما اضطر كثيرين منهم إجبار اطفالهم للعمل في التقاطعات والشوارع.

الموارد الاقتصادية

 انخفاض الدخل للعوائل قياساً بالاستهلاك اليومي مع حجم الأسر الكبيرة فضلاً عن ضعف المشاركة الاقتصادية للنساء داخل المجتمع واخذ دورها الحقيقي، وانخفاض التعليم وعدم وجود موارد اقتصادية اضافية للمحافظة كالموانئ والمنافذ والسياحة بحسب دائرة تخطيط المثنى هي ابرز اسباب الفقر في المحافظة اذ يقول المهندس قابل حمود مدير تخطيط المثنى “من ابرز اسباب الفقر في محافظة المثنى هو محدودية الانشطة الاقتصادية في المحافظة بالإضافة الى ان توزيع التخصيصات المركزية التي تخص المشاريع الاستثمارية تكون على النسبة السكانية وعلى اعتبار المحافظة هي اقل المحافظات نسبة سكانية بالتالي تستلم تخصيصات اقل من غيرها من المحافظات ولا يعتمد معايير اخرى كمعايير الفقر والحرمان”.

لا يتجاوز عدد سكان المثنى المليون نسمة بحسب اخر الاحصاءات الخاصة ل “theredline”.

ويكشف حمود ان “الدولة تصنع بطالة مقنعة من غير  قصد من خلال صرفها رواتب اعانات اجتماعية للأسر الفقيرة وهي التي تحول تلك الاسر الى عاطلة عن العمل بسبب اعتمادها عليه”، ويرى حمود  ضرورة إعطاء تلك الاسر قروضاً ميسرة للأفراد فيها وإنشائهم مشاريع خاصة بهم للاستفادة منها على مدى اطول بدل صرف الرواتب واعتمادهم عليها دون ان تكفيهم مما تدفعهم للتسول وغيرها”.

مضيفاً “ينبغي دعم القطاع الخاص بشكل اساسي وايضاً تعديل السياسات الاقتصادية فيما يخص نظام الحماية الاجتماعية والتعديل من نظام الاعانات والمنح الحالي الى نظام التمكين والاقراض والمتابعة”.

تعمل الدولة العراقية على مواجهة الفقر ووضع استراتيجيات جديدة لمواجهته اذ يشير حمود ان وزارة التخطيط  تعمل على سياسات وخطط استراتيجية للحد من الفقر في البلاد من ضمنها استراتيجية مكافحة الفقر في العراق التي أطلقتها عام 2018 والتي تستمر لغاية 2022 وكذلك خطة التنمية الخمسية.

ورغم تلك الخطط لمواجهة الفقر فأن مصادر خاصة تؤكد ان نسبة المساكن العشوائية الفقيرة ارتفعت من 15 % الى 17 % نتيجة الهجرة من الريف الى المدينة بسبب التغيرات المناخية وقلة المياه وتراجع الزراعة وسياسات الدولة الزراعية الجديدة بتقليل الحصة الزراعية للمحافظة من زراعة الحنطة والشعير ومنعها نهائياً من زراعة محصول الشلب”.

بينما يحذر عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة المثنى  محمد الزيادي من ارتفاع نسبة الفقر الى ارقام اكثر من المرصودة حالياً اذ يقول ان نسبة الفقر الحالية  “تبلغ في المثنى 60 % وتتركز معظمها في ارياف المدينة والاقضية والنواحي.

واشار الزيادي ان “حل هذه المسألة يتعلق بفتح باب الاستثمار على مصراعيه وتقديم التسهيلات له من اجل تشغيل الايدي العاملة والنهوض بالواقع الصناعي للمحافظة”.

الزراعة والصناعة هي الحل

يعتمد العراق في اقتصاده ورواتب موظفيه وغيرهم من السكان على النفط وهو ما يجعل العراق ذو سياسة اقتصادية ريعية مما تسبب بتراجع الوضع المالي والاقتصادي خلال السنوات الاخيرة بسبب تراجع اسعار النفط في البلاد والعالم اجمع، يقول خبراء اقتصاديون ان تجربة العراق الاقتصادية احدثت طبقتين اقتصاديتين الاولى نفطية غنية والثانية عامة فقيرة.

الخبير الاقتصادي ورئيس مركز ذر للتنمية في المثنى ماجد ابو كلل يقول: ” إخفاق التجربة الاقتصادية خلال العقدين الماضيين يعود إلى التفشي السرطاني للفساد، وتحكم الطائفية والمذهبية بمقدرات البلاد الغنية، وان ما يعانيه المواطن العراقي اليوم من أزمات وتدهور ظروفه المعيشية تتحملها الحكومة العراقية، بسبب قراراتها وسياستها الخاطئة التي انعكست سلباً وبشكل مباشر على المواطنين جراء تراكمات السنوات الماضية”.

ويعلل ابو كلل سبب ارتفاع معدلات الفقر “بسبب عدم وجود فرص عمل للخريجين وغيرهم من الشباب”.

ويشير ابو كلل ان “الحكومة المركزية والمحلية في المثنى عملت مباشرة على تحويل المثنى من محافظة زراعية الى صناعية واوقفت النشاط الزراعي وهو ما احدث فجوة كبيرة وزادت من نسب الفقر اذ لم تستطع المحافظة التحول المباشر هذا، وهو ما يستدعي عليهم الموازنة بينها والمرور بمراحل متسلسلة لخلق توازن بينهما اثناء ذلك التحول، لان نسب الفقر تنتشر في الريف اكثر من المدينة، واغلبهم يعتمدون على الزراعة ومع توقفها زادت نسبة الفقر تلك”

ويختم ابو كلل حديثه ان “الجهات المسؤولة في العراق اهملت قطاع الزراعة والصناعة وركزت على النفط ولم تهتم لبقية القطاعات الاقتصادية الاخرى وهو احد الاخطاء السياسية الاقتصادية التي اتبعتها الدولة العراقية وظهرت نتائجها واضحة اليوم وهو ما يفرض عليها مراجعة سياساتها الاقتصادية ومحاولة الاهتمام بالزراعة والصناعة معاً لأنها الحل الامثل للنهوض بالواقع الاقتصادي ومعالجة الفقر في جميع محافظات العراق وليست المثنى وحدها”.

وحذرت دراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”، من أن عام 2023 سيشهد ارتفاع عدد الفقراء بمقدار 3 ملايين و700 ألف إلى 126 مليونا في المنطقة العربية، نتيجة الحرب في أوكرانيا.

وتضاعف معدل الفقر في العراق في العام 2020، إذ بات 40% من السكان البالغ عددهم 40 مليوناً، يعتبرون فقراء وفق البنك الدولي.

VIAخليل البركات