الانبار هي محافظة عراقية ذات طابع عشائري تشكل ثلث مساحة العراق، ويبلغ عدد سكانها مليون و٦٠٠ ألف نسمة حسب تقديرات وزارة التخطيط لعام ٢٠١٣، وتسكنها قبائل وعشائر ذات الانتماء العربي، وتقع في الجزء الغربي من العراق وهي المحافظة العراقية الوحيدة التي تحدها ست محافظات عراقية، من الشرق العاصمة بغداد وجزء من محافظات صلاح الدين، بابل، كربلاء النجف، وتقع بين ثلاث بلدان عربية، من الغرب المملكة الأردنية الهاشمية، ومن الشمال الغربي تحدها الجمهورية العربية السورية، ومن الجنوب المملكة العربية السعودية.

وتتكون محافظة الأنبار من ثمانِ أقضية إدارية هي: الرمادي وتعتبر مركز المحافظة الإداري، والقائم، عانة، راوة، حديثة، هيت، الفلوجة والرطبة، وتبلغ مساحة محافظة الأنبار( 138069كم2) أي أنها تشكل نسبة, 5. 31./. من مساحة العراق البالغة ( 438317 كم2) .

ومن الناحية الاقتصادية تعتبر محافظة الانبار غنية بثرواتها وتحتوي إحتياطي يُقدر بـ 53 ترليون قدم مكعب من الغاز، و300 مليار برميل من النفط الخام ، إضافة الى ما تحتويه من معادن نفيسة كالفوسفات والتي تقدر بـ 10مليار طن، وفيها الجبس والزجاج، والحديد، وفيها ايضا وفرة المياه من نهري دجلة والفرات والمسطحات المائية الكبيرة تتمثل ببحيرتي الثرثار والحبانية.

ويسكن محافظة الأنبار العديد من القبائل وهي الدليم، البوعيسى، البوفراج، البوعلوان، البوفهد، شمر، عنزة وغيرها، وتتفرع من هذه القبائل العديد من العشائر، كما يسكن المحافظة خليط من قبائل وقوميات أخرى،وشهدت محافظة الأنبار أحداثاً دموية منذ احتلال العراق سنة ٢٠٠٣، وخلفت الحرب الأخيرة إبّان استعادة السيطرة عليها من سطوة تنظيم داعش الإرهابي مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية كبيرة.

الأنبار والانتخابات

 تشكل نسبة كبيرة من مرشحي العشائر والقبائل منافسة كبيرة على مقاعد مجلس النواب العراقي في الانتخابات المرتقبة في العاشر من شهر أكتوبر الحالي، وتتطلع القبائل إلى فوز مرشحيها وتمثيلها تحت قبة البرلمان، حيث بلغ عدد المرشحين للدورة البرلمانية المقبلة ١٦٦ مرشح عن محافظة الأنبار غربي العراق فقط حسبما أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية، كما يتزايد تخوف أبناء المحافظة من سيطرة المال السياسي الذي بدأت بوادره تتضح مع بداية إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الموافقة للمرشحين بالبدء دعاياتهم الانتخابية، مع هواجس كثيرة تنتابهم من عمليات التزوير المتوقعة على نتائج الانتخابات أو التلاعب بعمليات التصويت.

وتسير الاستعدادات للانتخابات المقبلة في محافظة الأنبار بمستوى تنافسي بين الكتل والأحزاب السياسية ومرشحين آخرين مستقلين، وهناك مليون 125 ألف و687 ناخب في هذه المحافظة، مقسمين على 380 مركز اقتراع موزعة على مدن وقرى المحافظة، وبواقع 2425 محطة، وسيتم من خلالها المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، وفق عدد الدوائر الانتخابية في محافظة الأنبار والبالغة 4 دوائر، اما عدد النواب الذين سيمثلون الأنبار تحت قبة البرلمان العراقي 15 نائبا.

وعن التنافس الانتخابي في مناطق محافظة الأنبار يرى الشيخ “فيصل الشوكة” وهو أحد شيوخ عشيرة آل بوذياب إحدى عشائر قبيلة الدليم في محافظة الأنبار والذي ترشح للانتخابات مرشح عن تحالف “عزم” الذي يتزعمه السياسي العراقي خميس الخنجر الذي ينحدر من أصول قبلية تسكن في مدينة الفلوجة إحدى المدن العراقية، “أن كل قطب وكيان سياسي يسيطر على جغرافية معينة في محافظة حسبما يرى الشوكة، فلا شك سيكون له منافسون، ومعارضون، ومحافظة الانبار التي تضم كتلتين سياسيتين كبيرتين وهما تحالفي “عزم وتقدم”، لذا نجد أن هناك بينهما تنافساً وتراشقا، و من الطبيعي أن يزداد خلال فترة ما قبل الانتخابات، فلكل طرف منهما جمهوره ومساحته الانتخابية، والقبائل في محافظة الأنبار لها دور كبير في الانتخابات لأن المحافظة تتكون من نسيج قبلي وعشائري ولا يمكن للقبيلة أن تتخلى عن أبنها إذا كان مرشحاً للانتخابات.

ويضيف الشوكة في حديثه لموقع الخط الأحمر أن الحكومة المحلية المسيطرة في محافظة الأنبار استغلت المال العام في حملاتها الانتخابية طوال الفترة الماضية، وبدأت تصرف أموالاً ضخمة ومشاريع خدمية لشيوخ ووجهاء القبائل، مما يجعل المال السياسي ذو تأثير سلبي كبير تجاه المرشحين الآخرين الذين لا ينتمون إلى حزب حاكم في المحافظة، مشيراً إلى أن أغلب المرشحين المستقلين بإمكانياتها البسيطة تمكنوا أن يرتبوا أوضاعهم الانتخابية بدعم من عشائرهم والمواطنين الذين يثقون بهم.

وأكد الشيخ فيصل الشوكة أن هناك تخوف كبير في محافظة الأنبار من عمليات التزوير، لأن مشهد انتخابات سنة ٢٠١٨ ربما سيتكرر خاصة وأن التزوير فيها كان فاضحاً وعلنياً في محافظة الانبار، و تغاضت الحكومة آنذاك عن عمليات التزوير ومضت الانتخابات وتم تشكيل حكومة في ذلك الوقت.

صراع الزعامات والخارطة السياسية

تعد التحالفات السياسية في محافظة الأنبار و المحافظات السُنية في العموم، أكثر القوى السياسية العراقية انقسامًا وصراعًا على الزعامات وتحديداً بعد عام ٢٠١٨، و يتصاعد التنافس الحاد بين الزعامات السنية إلى درجة استخدام الشتائم والاتهامات، بينما يعيش الشارع في مدن غرب العراق التي ما زال بعضها منكوبا، ومناطق ما تزال خالية من سكانها في معظم المناطق العراقية، فيما تتنافس القوى السنية بشراسة للحصول على رئاسة مناصب مرموقة ونفوذ سياسي ومالي وفق المحاصصة الطائفية التي منحت رئاسة الوزراء إلى الشيعة و اقتصرت رئاسة الجمهورية على الأكراد، ويتمثل هذا الصراع بين تحالف  “عزم”، بزعامة السياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر أحد أكبر التحالفات السنية في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وبغداد، ويضم التحالف الذي يشارك في الانتخابات للمرة الأولى كل من المشروع العربي برئاسة الخنجر المقرب من القوى الشيعية، وحزب الوفاء برئاسة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، وحزب الحل برئاسة السياسي جمال الكربولي المتهم بعمليات هدر للمال العام، والكتلة العراقية الحرة برئاسة وزير البيئة السابق والنائب الحالي قتيبة الجبوري، وحزب المسار المدني برئاسة مثنى السامرائي وهو عضو في مجلس النواب المنحل.

 أما التحالف الثاني الذي ينافسه في المناطق السُنية هو تحالف “تقدم” بزعامة رئيس مجلس النواب المنحل محمد الحلبوسي، وهو تحالف يشارك لأول مرة تحت هذا الاسم، ويضم التحالف كلا من حزب التقدم بزعامة الحلبوسي، والخيار العربي برئاسة النائب في الدورة السابقة لمجلس النواب المنحل عبد الكريم العبطان.

ويكنّ زعماء تلك التحالفات الحلبوسي والخنجر وكلاهما ينحدران من محافظة الأنبار، ضغائن شخصية لبعضهم البعض، وطالما أطلقوا أوصافا “نابية” على بعضهم عبر صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر.

وعلى ما يبدو أن المصالح السياسية غلبت كفتها من خلال اللقاءات الأخيرة التي أدت إلى تقارب هذين الحزبين (عزم وتقدم)، والتقى زعيم حزب تقدم مؤخراً مع زعيم تحالف عزم في منزل الأخير من أجل وضع الخلافات جانباً والتحالف لإقناع الأحزاب الأخرى على تجديد الثقة وتولي زعيم حزب تقدم “محمد الحلبوسي” رئاسة مجلس النواب لدورة ثانية مقابل تنازل حزب تقدم عن بعض حصصه من الوزارات لصالح تحالف عزم حسبما أفاد مصدر مقرب من تحالف عزم فضل عدم الكشف عن إسمه.

العشائر والدور السياسي

في الحديث عن دور القبائل في السياسة يرى الشوكة أنه لولا العشائر لما استتب الأمن في محافظة الأنبار، لأن أبناء العشائر هم من انتفضوا بوجه المجاميع الارهابية واستطاعوا مواجهتهم واستعادوا مناطقهم بعد معارك دامية شهدتها مناطق المحافظة منذ عام ٢٠٠٦ مروراً بمعارك استعادة السيطرة من تنظيم داعش وحتى اليوم، وأضاف أن العشائر يمكن لها أن تتدخل في السياسة داخل محافظة الأنبار، لأن دورها داعم للأمن وفرض القانون وجميع الجوانب التي من شأنها استقرار المشهد السياسي في المحافظة.

أما أستاذ الاعلام الدولي في جامعة الأنبار الدكتور مؤيد الدليمي فيعتقد أن قانون الانتخابات الحالي قد حجّم دور القبائل نوعا ما، لأن الدوائر الانتخابية المتعددة شتت أصوات القبائل في محافظة الأنبار، لكونها منتشرة من الحدود العراقية السورية غرباً وصولاً إلى حدود العاصمة بغداد شرقا، ولم تعد أصوات القبيلة ذات فاعلية، إلا أن التحالفات السياسية في المحافظة هي تحالفات مناطقية أكثر مما هي قبلية.

أما من الناحية الحزبية قال الدليمي لموقع الخط الأحمر إن الأحزاب في محافظة الانبار ليست فاعلة كما يتصورها الكثيرون، ولا ينظر لها المواطن الأنباري كما يراها المواطن في بقية المحافظات، لأنها فتية النشأة، مضيفاً أن محافظة الأنبار هي ذات طبيعة قبلية لها خصوصية منذ تأسيس الدولة العراقية، ولها مكانة اجتماعية كبيرة جداً ولشيخ القبيلة أو الزعيم القبلي تأثير واضح أكثر من الشخصية السياسية، وهذه هي طبيعة المجتمع العراقي بشكل عام، أما اليوم فالمواطن لم يعد يهتم بتأثير زعيم القبيلة حول قضية الانتخابات، مؤكداً أنه منذ انتخابات سنة ٢٠٠٥ في العراق كان يرشح زعماء قبائل وشيوخ عشائر كبار ولم يفز أحد منهم في الانتخابات وهذا دليل واضح على عدم تأثير القبيلة على الانتخابات أو فرض مرشحها على أبناء القبيلة.

نظرة الصحافة للقبيلة والسياسة

فيما يرى صحفيون وإعلاميون مهتمون بالشأن الانتخابي بمحافظة الأنبار أن للقبائل العراقية دور فاعل في المشهد السياسي والاجتماعي والأمني، وأن الولاء للقبيلة أمرٌ جيد لكن يجب أن يكون اختيار المرشح لمجلس النواب وفق شروط ومواصفات تؤهله لتمثيل جماهيره تحت قبلة البرلمان، حيث أعتبر الصحفي العراقي ضياء الحمداني أن شعور المواطن الانباري بعدم تقديم الدولة ضمان الحياة الكريمة يشكل فقدان للثقة، وهذا الشعور جعله يلجأ إلى العمق القبلي الذي يرى فيه ضماناً وبديلاً عن دور الدولة.

وقال الحمداني لموقع “درج” إن تعاظم الولاء العشائري أو الطائفي في الانتخابات المرتقبة هو معضلة كبيرة تواجه بناء الدولة الحديثة التي يفترض أن تكون مبنية على إشاعة روح المواطنة والهوية الوطنية الواحدة، وعلى الحكومة دور كبير في مد جسور الثقة بين الدولة والمواطن من خلال توجيه أجهزتها التنفيذية لإشاعة روح العدالة والمساواة بين أبناء المجتمع بعيداً عن الانطباعات والأحكام المسبقة المبنية على اعتبارات مناطقية أو طائفية.

أما أستاذ الإعلام في كلية الآداب بجامعة الأنبار رعد الخاشع فيقول لـ الخط الأحمر إن موضوع تغلّب سلطة العشيرة على الحزب في الانتخابات المقبلة ينعكس على طبيعة البيئة والجغرافية المجتمعية القبلية والعشائرية في محافظة الأنبار، وأن طبيعة مجتمع المحافظة عشائرية متحفظة تسودها الأعراف العشائرية أكثر مما تسودها القوانين والأعراف الوضعية، وانعكاس ذلك على القرار السياسي جاء سلباً بسبب عدم القدرة على تطبيق القانون، مؤكداً أنه حينما يكون قرار القبيلة متزمت أمام القرار السياسي، أو يكون الاختيار بعيداً عن المهنية إنما وفق الولاء القبلي والعشائري ستكون هناك حالة من التراخي أمام اتخاذ القرار السيادي أو التشريعي.

المال السياسي وعدم تكافؤ الفرص

إن الخلاف السياسي في محافظة الأنبار لا يعود إلى اختلاف المشاريع والأفكار، إنما هو بحث كل طرف منهم عن زيادة نفوذه ومكاسبه على الساحة السنية وسط تبادل الاتهامات بالتنسيق والتحالف، ولا يدور الخلاف حول برامج سياسية أو خدمية لصالح المكون السني الذي يُفترض أن تمثله تلك القوى السياسية المتناحرة، ويدرك أبناء محافظة الأنبار أن زعماء تحالفي عزم وتقدم كلاهما تم تعيينهم بناء على رغبة الفصائل الموالية لإيران والأحزاب الحاكمة باعتبارهما واجهتين تمثلان ثقلاً سياسياً في محافظاتهم.

هناك في محافظة الأنبار عدم تكافؤ في الفرص التي تميل كفتها لمرشحي الأحزاب والكيانات الكبيرة المدعومة من شخصيات سياسية كما هو حال تحالفي عزم وتقدم المتصارعين، الذين استغلوا نفوذهما في السلطة واستغلال المناصب للترويج والدعاية الانتخابية، فاموال المحافظة سُخرت من قبل محافظ الأنبار الدكتور “علي فرحان” لإقامة مؤتمرات ودعايات انتخابية مهولة بالإضافة إلى توزيع مبالغ مالية كبيرة على شخصيات اجتماعية ومواطنين بهدف الترويج الانتخابي، ناهيك عن تسخير أموال ومعدات مديريات البلدية في تبليط واكساء الشوارع واستئناف المشاريع المتوقفة مع بداية الترويج للانتخابات، وهذا هو الحال في كل انتخابات تجري في العراق، كما أن المال السياسي هو المرتكز الرئيس في تحريك مشاريع الترويج هلال فترة الانتخابات، وهذا بسبب غياب التشريعات التي تحاسب الأحزاب حول مصادر التمويل التي مكّنتها من تأسيس إمبراطوريات مالية تؤثر في سير الانتخابات و شراء الذمم والسيطرة على الدعاية الإعلامية.

ربما كان الظفر للقبيلة في انتخابات أكتوبر ٢٠٢١، كما يراه البعض لأن غالبية المرشحين هم من أبناء القبائل، وستكون القبيلة هي الداعم الأساس له، أو قد يظفر الحزب بما يملك من مال سياسي وسيطرة ونفوذ إداري على مؤسسات الدولة، وبين القبيلة والحزب يراقب المواطن الأنبار لمن يحقق تطلعاته في حياة كريمة تعيد إليه ما فقده في سنوات النزوح التي عانى منها طوال الفترة من سنة ٢٠١٤ لغاية وحتى اليوم لأنه ما يزال ينتظر من يعوضه عن منزله الذي هدم بسبب الحرب أو أملاكه التي سرقت أو أتلفت بسبب رصاص ومقذوفات المعارك الدامية.