في 10 أكتوبر 2021 ، خلال الانتخابات التشريعية المرتقبة ، اجتمع العراقيون لانتخاب 329 نائبا جديدا في مجلس النواب الوطني. ونظمت هذه الانتخابات من قبل الحكومة العراقية استجابة لمطالب الشارع العراقي المشارك بتظاهرات تشرين 2019 حيث أجبر رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة من منصبه.

وبلغت نسبة المشاركة بحسب النتائج النهائية للانتخابات 44% وأعلنت مفوضية الانتخابات العراقية في 30 من نوفمبر الماضي النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية والتي شهدت تصدر التيار الصدري للنتائج.

تسع مقاعد هي المخصصة للأقليات العراقية من أصل 329 مقعد برلماني تم اقرارها ضمن قانون الانتخابات العراقي الذي تم إقراره أواخر العام الماضي بعد احتجاجات تشرين العراقية التي أجبرت رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي على الاستقالة وتم تعيين مصطفى الكاظمي مكانه والذي مستمر في عمله الى الان.

من هذه المقاعد التسع حصل المكوّن المسيحي على خمسة مقاعد ضمن دائرة واحدة على صعيد العراق بأكمله ويتنافس عليها 35 مرشح ومرشحة والمكوّن الشبكي على مقعد واحد ويتنافس عليه 8 مرشحين والايزيدي على مقعد واحد في محافظة نينوى شمالي البلاد كدائرة واحدة ويتنافس عليه 6 مرشحين، ومقعد للمكوّن الصابئي في بغداد بالرغم من وجود الصابئة في مناطق أخرى غير العاصمة العراقية بغداد ويتنافس عليه 8 مرشحين، ومثله للمكوّن الكردي الفيلي في محافظة واسط جنوب البلاد ويتنافس عليه 9 مرشحين.

تدخل الأحزاب الكبيرة

وتتخوف الأقليات من سيطرة الأحزاب الكبيرة على هذه المقاعد المخصصة لها والتي يجب أن تمثل المكونات العراقية الأصيلة والصغيرة بالعدد ولكن بحسب متابعين لشؤون الأقليات فإن الأحزاب الكردية والشيعية أصبحت تدعم مرشحين من هذه المكونات لضمان السيطرة على القرار السياسي لهذه المجتمعات الصغيرة في العراق.

واتهمت أحزاب سياسية من الأقليات الأحزاب الكردية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والشيعية مثل كتلة الفتح التي تضم أحزاب قريبة من إيران بضخ أصوات انتخابية في كوتا الأقليات لصالح مرشحين تابعين لهم وهذا الأمر جاء في بيان حزب ابناء النهرين الاشوري المسيحي الذي نشر في 28 تموز/يوليو الماضي والذي أعلن من خلاله عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة بسبب السلاح المنفلت وتدخل الأحزاب السياسية الكبيرة في شؤونهم الخاصة.

“عصام نيسان” عضو الهيئة القيادية لحزب ابناء النهرين قال إن الانسحاب جاء نتيجة عدم الاستجابة لمطالبنا التي نعتبرها شرعية، والمتمثلة بحصر التصويت داخل شعبنا، رغم اننا قدمنا طلبات بشتى الوسائل وآخرها كان بتظاهرة أمام برلمان أقليم كردستان وطالبنا فيها بتخصيص صندوق تصويت خاص بشعبنا.

وأكد “نيسان” أنه هناك تدخلات قد حصلت فعلا وانتزعت كل المقاعد والذي يرى أنه تم تفريغ الكوتا من محتواها الحقيقي، بحجة أن الأمم المتحدة غير راضية على منع التصويت من أي شخص لصالح أي شخص.

بينما رفض زعيم حركة بابليون ريان الكلداني، الاتهامات التي وجهت لحركته بإدخال أصوات انتخابية من خارج المكون لصالح مرشحي حركة بابليون وقال ما امتعاض الأحزاب التقليدية التي فشلت بصون وحماية المسيحيين، إلا بسبب أننا كسرنا احتكارها لأصوات الناس”.

إلغاء انتخابات الخارج

ويضاف إلى ذلك بحسب نشطاء سياسيين فإن قانون الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة كان قد ألغى مشاركة العراقيين خارج البلاد وهذا ساهم في حرمان الاقليات من أصواتهم خارج البلاد وبالتالي فإن النتائج تأثرت كثيرا نتيجة لذلك.

وبحسب إحصائيات الكنيسة الكلدانية في العراق فأنه أكثر من ثلثي المسيحيين هاجروا الى خارج البلاد وانخفاض عددهم من مليون ونصف المليون نسمة الى أقل من 300 ألف نسمة بعد 2003 العام الذي شهد سقوط النظام العراقي السابق.

أما الإيزيديين فقد هاجر أكثر من 100 الف نسمة خارج البلاد منذ 2014 بعد ارتكاب تنظيم داعش الارهابي بحقهم جريمة الإبادة الجماعية وهذا بحسب احصائية لمديرية شؤون الإيزيديين في إقليم كردستان العراق.

الصابئة المندائيين فكانوا الأكثر هجرة كنسبة وبحسب احصائيات فإن المندائيون في العراق كانوا المجموعة الأكبر والأهم في العالم، فمن بين 75000 مندائي حول العالم، كان هنالك ما بين 30000 إلى 50000 منهم في العراق وينتشرون غالبا على ضفاف نهري دجلة والفرات ولكن اليوم انخفض عددهم الى أقل من 15000 نسمة.

القانون سهل التدخلات

ودعم “سعد سلوم” الخبير في شؤون التنوع العراقي حديث “نيسان” وذهب إلى أن القانون الانتخابي سهل هذه التدخلات من خلال جعل الدائرة الانتخابية الخاصة بمقاعد الكوتا مفتوحة على صعيد العراق مثل كوتا المسيحيين او على صعيد المحافظة الواحد مثل كوتا المكونات الأخرى وهذا الأمر سهل على الأحزاب السياسية الكبيرة التدخل في نتائج الانتخابات والحصول على مقاعد تابعة لها بأقل الأصوات.

وكما أن الهدف من هذا الأمر بحسب “سلوم” ليس هدفه محلي وانما دولي لان قضايا الأقليات الدينية في العراق مثل المسيحية والايزيدية خرجت من البعد المحلي وباتت ذات بعد دولي يمكن الاستفادة منه مستقبلا.

صراعات سياسية

“مهند بشير” صحفي شبكي بين أن الصراعات السياسية والطائفية ساهمت في تفكيك المجتمع الشبكي، مضيفا أن مقعد كوتا الشبك في البرلمان العراقي أصبح يدخل ضمن الصفقات السياسية بين القوى السياسية الكبرى، ما حرم المكوّن الشبكي من حقوقه، وجعل ممثليه غير مهتمين بتقديم أية خدمة لمناطق سكن الشبك في محافظة نينوى، وإنما يسعون دائماً لتحقيق مصالح القوى التي تدعمهم.

 ثلاثة عناصر، هي المال السياسي والأرض والسلطة هي سبب الخلافات السياسية داخل المكون الشبكي العراقي كا تحدث “بشير” عن أن هذه العناصر الثلاثة تمتلكها المليشيات المسيطرة على سهل نينوى، ومنها لواء الشبك في الحشد الشعبي، الذي ينفذ الأجندة الإيرانية على أكمل وجه، وافتتح عدة مشاريع تابعة لإيران، مثل المدارس والمراكز الدينية.

ولا يخفي الصحفي الايزيدي “ذياب غانم” وجود صراع منذ 2003 بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في قضاء سنجار أكبر معاقل الإيزيديين في جميع الانتخابات التي المرت وخلال الانتخابات الاخيرة كان هناك صراع جديد ولكن هذه المرة بين الديمقراطي الكردستاني وجهات شيعية مقربة من إيران.

ولو نركز على الواقع الانتخابي للمكون الايزيدي هناك الكثير من التفسيرات فبعد هجوم داعش في عام 2014 وسقوط المنظومة العسكرية العراقية والكردية هناك تشتت المجتمع الايزيدي بين الأحزاب والأطراف السياسية العراقية والكردية مما أفرز عن وجود ثغرات كبيرة ساهمت في ابتعاد أطراف هذا المجتمع من بعضها البعض وبذلك تشتت أصوات الايزيدية بين هذا وهذاك في الانتخابات البرلمانية الاخيرة بحسب قول “غانم”.

النتائج

ويلفت “غانم” الى أن الأيزيديين استطاعوا دخول البرلمان من خلال 5 مرشحين ثلاثة منهم من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومعقد واحد من نصيب التحالف الوطني الكردستاني ومقعد الكوتا الايزيدي الوحيد ذهب إلى حزب التقدم الايزيدي القريب من بغداد.

كما كانت حصة الأسد في نتائج كوتا المسيحيين من نصيب حركة بابليون التي نجحت في الحصول على أربعة مقاعد من أصل خمس مقاعد وذهب المقعد الخامس إلى المرشح المستقل عن أربيل فاروق حنا الذي حظي بدعم أعضاء ومناصري الحزب الشيوعي الكردستاني.

مقعد كوتا الصابئة المندائيين والذي تم اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة لهم اسوةً بالمسيحيين، فاز به المرشح المستقل عن محافظة بغداد أسامة كريم خلف والذي دخل في الكتلة الشعبية المستقلة التي تعتبر قريبة من حراك تشرين.

واظهرت النتائج النهائية فوز حسين علي مردان، من بين 10 مرشحين من الكورد الفيليين في محافظة واسط بمقعد الكوتا الوحيد المخصص لهم.

وكان مقعد كوتا وحيد للمكون الشبكي، وقد فاز به المرشح المستقل وعد القدو، المعروف بـ(ابو جعفر الشبكي والذي معروف بقربه من الحشد الشعبي العراقي وكان يرأس لواء 30 حشد شعبي.

ولأول مرة منذ سنوات دخلت سيدتين كاكائيتين البرلمان العراقي بعد فوز نجوى حميد عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك وأحلام رمضان في نينوى عن تحالف كردستان وتأتي مشاركتهن لأول مرة منذ المشاركة الأولى للكاكائية عام 2005.

وانتخب العراقيون في العاشر من أكتوبر 329 نائبا جديدا في البرلمان في انتخابات تشريعية مبكرة وعدت بها الحكومة العراقية لتهدئة غضب الشارع إثر الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد في أكتوبر 2019، في وقت لا تزال فيه القوى السياسية التقليدية نفسها مهيمنة على المشهد السياسي.

ويبقى مشهد الاقليات بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة لا يقل سوء عن سابقاتها، حيث وزعت المقاعد الانتخابية وفق محاصصة الكبار، اي أن المرشحين الاكثر حظا كانوا في الحقيقة تابعين لجهات حزبية لاتعد الاقليات الا بالمزيد من الابعاد والاغتراب. المرشحين الفائزين عن المكون المسيحي بمقاعد الكوتا كانوا جميعا من نفس الجهة الحزبية التابعة، بطبيعة الحال، الى كتلة الفتح الشيعية المنبثقة من تحت عباءة الميليشيات التي روعت المسيحيين مرارا وسلبت حقوقهم. وكذا هو الحال مع باقي المكونات التي مازالت تعاني من حالة الذوبان الكلي في النسيج العام للمشهد السياسي العراقي.

VIASaman Daoud