ما زال العراق يعاني من غياب التنظيم الحكومي مع الانقسامات البرلمانية خاصه بعد توقف احتجاجات تشرين وانتقلت تشرينُ من مرحلة الفعل الاحتجاجي إلى مرحلة التنظيم السياسي، وحددت تلك الأحزابُ موقفها تجاه الانتخابات التي كانت ضمن مطالب تشرين، ففريق أعلن المشاركة وآخر انسحب، وثالث أعلن المقاطعةَ ورابع لم يعلن المشاركة لكن بلا مقاطعة.

منذ بدء الاحتجاجات أخذ الشباب العراقيون يدرسون أنظمة سياسية بديلة، وهو ما كان محظوراً على الأجيال الأكبر سناًّ خلال سنوات طويلة من الاستبداد والاضطهاد، غير أن النشطاء والباحثين السياسيين الشباب اليوم يحاولون المشاركة بفاعلية في هذه المسألة على الرغم من التهديدات ومحاولات الاغتيال. حيث قال أحد الاكاديميين في ورشة عمل تشاتام هاوسبعد تشرين، رأينا أن الشباب بدأوا يعملون معاً في مجموعات، سواء كان ذلك في المجتمع المدني أو وسائل الإعلام أو حتى في المقاهي، ودائماً ما تحضر النقاشات السياسية على طاولاتهم“.

بعد ان فاز الصدريين في الانتخابات بحصولهم على 73 مقعدا اعتبروا ان الفوز، تفويضًا انتخابيًا ودستوريًا لهم لتشكيل الحكومة الى ان بدأت الانقسامات داخل القوى الشيعية بسبب الاختلاف على اختيار رئيس الوزراء القادم والتي انتجت معسكرين يتمثل بالإطار التنسيقي الذي يدين اتباعه بالولاء الى إيران وتحالف إنقاذ الوطن بقيادة الصدر (والذي شمل أيضًا قوى سنية وكردية) بقيادة مقتدى الصدر، حيث أراد الصدر اختيار رئيس وزراء يوافق عليه كقوة تهدف ضمان وصول القيادة الصدرية الشيعية في الحكومة العراقية. وعلى الرغم من قيادة الصدر لفصيل مسلح يدعى سرايا السلام، يؤمن اتباعه بالولاء لعائلة الصدر، الا ان اعداد وامكانية هذا التنظيم لا تضاهي القوة العسكرية وإمكانية الوصول إلى السلاح مثل تلك التابعة لخصومه المرتبطين بإيران. حيث واجهت العملية السياسية العراقية مشكلةً معقدةً كادت أن تؤدي بالسلم الأهلي ولا زالت تلوح بين الفينة والأخرى وهي مشكلة الانقسام داخل المكون الشيعي، فبعد أن تمت السيطرة على خصمهم عبر مراحل مختلفة كان آخره اكتساح الشيعة للدولة العراقية على الغريم المتمثل بالسنة بحجة دحر تنظيم داعش، أدى ذلك إلى نشوب صراعاتٍ داخليةٍ.

التعامل مع الجمهور

يقول الناشط المدني إبراهيم تركي، في تصريح للخط الأحمر: “جميع القوى التشرينية التي شاركت بالانتخابات استفادت من النقمة الشعبية المستمرة والمتصاعدة بالضد من القوى السياسية التقليدية، ولم يكن لديها برامج سياسية واقتصادية واضحة للجمهور، فأصبحت أداةُ النجاحِ الرئيسية هي القدرة عل استخدام الغضب العام لا القدرة على الإقناع بالبرامج والرؤى ومن المؤسف جداً أننا لم نرَ رجالَ دولةٍ وسياسةٍ فيمن تأهّل للبرلمان من قوى تشرين، وكأنهم لم يتوقعوا الصعود”.

يواصل تركي الحديث عن ميزة تشرين كجمهورٍ، ينتظر هذا الجمهور إعطاء حلولٍ لمشاكل يعاني منها، فإن كان بعضٌ لم يثق بالخطابات فمن وثق فيها أصيب بإحباط بعد الصعود للبرلمان. كما ان هنالك سلوكياتٌ لدى أفراد هذه الأحزاب وخطاباتٌ لا تنسجم مع المطلوب منهم، فمن المعروف جداً أن أحد النواب الممثلين عن احتجاجات تشرين علاء الركابي هدد بعباراتٍ قاسيةٍ من يشوِّه سمعته مرةً معلناً اللجوء ليس للقانون فحسب بل حتى للعشيرة، وذات مرةٍ استخدم القانون العشائري في الحوار.

الاحتجاجات المرتقبة

حسب الباحث السياسي منقذ داغر، “فيما لو أراد المنتمين لحراك تشرين، الخروج مجددا في الاول من تشرين كما أعلنوا سابقا وتصاعدت الاحتجاجات سينتج ضغط من الفصائل المسلحة. ومن الممكن ان نشهد هجمة إعلانية مضادة من قبل الموالين لإيران مما سيدفع التشرينيين الاقتراب أكثر من الصدريين”. 

وفي حال حدوث هكذا سيناريو بتوحد كلتا الحركتين حسب داغر، بالتأكيد فالشعب العراقي بانتظار صدام مسلح، او “في حال السيطرة على القوى الأخرى وضمان عدم دخولها في الصراع فهذا يعني اختلاف في موازين القوى السياسية وبالحل المخرج الوحيد من كل ذلك هو بعقد انتخابات مبكرة بالشروط التي يضعها الصدريين وعكس ذلك فنحن ذاهبين الى صراع مسلح“.

وعن رؤية قيادات حركة تشرين بعدما يقارب عامين يرى واثق لفتة، مسؤول المكتب السياسي لجبهة تشرين، ” اتجه معظم الشباب نحو التنظيم السياسي وانشأوا ما يعرف بجبهة تشرين، وبدأوا آنذاك بتشكيل اللجنة الوطنية للاحتجاجات الداعمة لأي مشروع وطني يحاكي تطلعات الشارع العراقي، من محاكمة الفاسدين محاكمة عادلة”.

يعتبر لفتة، ان حركة تشرين هي صوت كل من يطالب بالحرية ويرى ان الجمهور الصدري هو بالنهاية جمهور وطني يتشارك مع الشعب نفس الأهداف المتمثلة بطرد الطبقة السياسية الفاسدة. ولا ضير من الاتحاد معهم. كما ان الحكومة اليوم هي أضعف ما تكون ولا تستطيع حتى من الدفاع عن نفسها والصدام المسلح بين القوى الشيعية كان متوقعًا.

خطاب المحاصصة السياسية

تعاني القوى التشرينية ضعفاً في الثقافة السياسية، فكما فشلت هذه القوى في استثمار جمهور تشرين فشلت في تحدي إدارة التنوع العميق لتشرين، يقول إبراهيم تركي: “هنالك حقيقة ثابتة وهي أن تشرين ليست حزباً، بل تيار مجتمعي، فيه قطاعات اجتماعية واسعة ولا يمكن حصرها بجهة أو حركة معينة. وأن اتباع تشرين بحاجة لرؤية تملك برامجَ واضحةً وحقيقيةً لتحقيق مطالبهم، لا أن نرى نفس الخطابات الفوضوية لأحزاب السلطة متواجدةً بين نواب تشرين.

خلال شهر أغسطس\اب من هذا العام تبنى احدى الشخصيات السياسية من أعضاء حركة امتداد السياسية التي انبثقت عن احتجاجات تشرين، والممثل عن محافظة كربلاء جنوب غرب العاصمة بغداد، ضياء الهندي، خطاب على أساس المناطقية. حيث دعا الهندي، الى منع الهجرة العشوائية لكل القادمين من بقية المحافظات العراقية الى مدينة كربلاء كما دعى النائب الى وقف قبول انضمام تسجيل طلاب المدارس من الوافدين الى المحافظة ممن لا يحملون بطاقة سكن كربلاء وهذا يعد مخالفًا لحقوق الاطفال في الحق في التعليم وبحسب عشرات العوائل الوافدة حديثًا الى مدينة كربلاء تم رفض تسجيل ابنائهم من قبل مديريات المدارس في المدينة بدون أي تعليمات قانونية تنص على هذا الامر بعد التصريحات الاخيرة للنائب الهندي 

وحول هذا الموضوع قال علي البياتي عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق، “حرمان الطفل من التعليم (المتدني بالأصل) بحجة عدم امتلاك بطاقة سكن هو انتهاك لحق الطفولة وحق التعليم المنصوص في الدستور والاتفاقيات الدولية.

وحول هذا الموضوع قال علي البياتي عضو مفوضية حقوق الانسان في العراق، “حرمان الطفل من التعليم (المتدني بالأصل) بحجة عدم امتلاك بطاقة سكن هو انتهاك لحق الطفولة وحق التعليم المنصوص في الدستور والاتفاقيات الدولية”.

فيما تساءل أحد المواطنين “هل هناك جريمة بتنقل المواطن العراقي داخل بلده، او ان النائب لا يفقه شيء في أبسط مصطلحات القانون والدستور العراقي وهنا هي الجريمة فكيف لشخص غير مطلع على الدستور العراقي ان يكون ممثلا سياسيًا لمحافظة عراقية، والاجدر بالنائب هو العمل على حل المشكلة الأساسية التي تؤدي بالسكان الى النزوح من مناطقهم لفقدان فرص العيش واهمها جفاف الاهوار نتيجة السياسيات الحكومية الفاسدة”.

تنص المادة (14) من الدستور العراقي “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب. والمادة 44 اولاً: للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه.

صراع القوى الشيعية

مع وصول العديد من ممثلي تشرين الى البرلمان العراقي نتيجة الانتخابات السابقة مع فشلهم في التحول الى معارضة حقيقية، مما دفع بقية من المحتجين او المؤيدين للانتخابات السابقة الى عدم الاكتراث بالانتخابات القادمة كوسيلة لتداول السلطة وخاصة مع سطوة السلاح المنفلت وقدرته على قلب العملية بغض النظر عن نتائج الانتخابات كما حصل مع انسحاب التيار الصدري وتصدر الإطار التنسيقي الخاسر في الانتخابات للمشهد السياسي.

وفي هذا الصدد يعتقد الباحث السياسي من كردستان العراق، شاهو القرة داغي، مع غياب مشاريع حقيقية لدى الاطراف السياسية لإدارة الدولة والاقتصاد بصورة سليمة، من المؤكد ان الشارع سيفكر مجددا بالخروج والتظاهر للمطالبة بمعالجات حقيقية، على الرغم من وجود حالة من اليأس لدى الكثير من الشرائح التي شاركت في التظاهرات السابقة ورأت النتائج لم تكن حسب طموحها. حيث شكلت تشرين حالة مميزة ونادرة داخل المجتمع العراقي، عن طريق كسر القواعد التي تمت صياغتها من قبل الفاعلين السياسيين لتسهيل السيطرة على المجتمع، حيث برز الشعور الوطني بصورة كبيرة شكلت خطرا حقيقيا على الاطراف الرئيسية في العملية السياسية.

وانطلاقا من ذلك عملت هذه الاطراف على قمع وإضعاف وتفكيك حركة تشرين واستهداف أبرز قادة هذه الحركة او تخويفهم او دفعهم للهروب لقطع الطريق امام تحولهم لفاعلين سياسيين داخل المنظومة السياسية.

غياب القيادة الواضحة 

يؤكد القرة داغي، ان غياب القيادة الواضحة لحركة تشرين كانت من النقاط السلبية لهذا الحراك، وخاصة مع تزايد الاطراف والاحزاب التي تدعي تمثيل تشرين لكسب تعاطف العراقيين الذين تضامنوا مع هذه الحركة، وهذا يعني ان المرحلة القادمة ستشهد انقسامات وتشتت داخل الحركة في ظل المعطيات الحالية وعدم بلورة اي مشروع حقيقي يجسد مبادئ تشرين ويعمل على تنفيذها وفق خطة مدروسة ومحكمة، بدل التحول الى ادوات لتصفية الحسابات بين الاطراف المتصارعة.

الموقف من الانتخابات

يمكن اختزال الصراع داخل القوى التشرينية إلى جهتين، جهة تريد المشاركة وأخرى المقاطعة، وهذه الصراع على مستوى العمل السياسي يعكس انقسام جمهور تشرين نفسه، هنالك من لا يرى جدوى من إعادة إنتاج العملية السياسية عبر إضفاء الشرعية عليها بالمشاركة وهنالك من لا يرى حلاً بديلاً سوى المشاركة، وبهذا الشأن يقول زين العابدين آل يوسف وهو مهتمٌ بالشأن السياسي “السلاح السياسي هو الفيصل في حسم أي معركةٍ سياسيةٍ والمشكلة في القوى الجديدة أنها لا تمتلك الرؤية الحقيقية في كيفية التعامل مع مسألة السلاح وتحجيمه، ومن هنا لا تستطيع أن تقول إن قضيتها نزع السلاح المنفلت لأنها فاقدة للرؤية، لذلك في مثال واضح لحالة المشاركين في الانتخابات كانوا قد أخذوا طرف الانضمام بتحالف مع أحد الاطراف المسلحة لأن هذا واقع العملية السياسية، تهيمن عليه الأحزابُ المسلحةُ، وهذا يعود أيضاً لغياب التفكير السياسي والانشغال بمشاكل غير ذات أهميةٍ”.

حسب مؤشر الإيكونيميست للاستقصاء العام للديمقراطية حول العالم وبحسب الاحصائية الجديدة، فإن العراق تركز في المرتبة الـ 8 عربياً والمرتبة 116 عالمياً، وهي أسوأ نتيجة يسجلها العراق منذ أن بدأت وحدة الإيكونيميست للاستقصاء إصداره عام 2006

VIASanar Hassan and Ali Taha