الخط الأحمر – علي فائز

آذن سقوط النظام السياسي في العراق يوم 9 نيسان 2003، وحلّ الجيش العراقي السابق، ببروز التنظيمات المسلحة المستقلة عن الدولة، حتى أصبحت تشكل وحدها دولة موازية تعتاش على الريع الاقتصادي من هيمنتها على المنافذ الحدودية ومختلف دوائر الدولة. من بين هذه الميليشيات المسلحة “جيش المهدي”، الذي أسسه مقتدى الصدر في أواخر عام 2003، بهدف التخلص من قوات الاحتلال، بالإضافة إلى قوات الأمن العراقية، والعاملين مع القوات الأمريكية كمترجمين أو أي عمل مشابه من شأنه أن يضعهم في خانة العمالة. 

وعندما اشتعلت الحرب الطائفية عقبَ تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عام 2006، ارتكب “جيش المهدي” حملات تطهير طائفي وعرقي، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، فضلًا عن تفجير وتجريف المساجد والكنائس، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الهجرة من جحيم البلاد التي لم تعرف الاستقرار حتى اللحظة. 

كان للعمليات القتالية والإجرامية التي ارتكبها “جيش المهدي” دور في بروز قيادات ما عرف بالصف الأول، وأصبحت كل مدينة تعرف بقائد يتميز بمجموعة من السمات، خولته ليصبح رأس قيادة الجموع من أتباع مقتدى الصدر. فمثلاً، يهيمن أبو درع، واسمه الكامل إسماعيل حافظ اللامي، على أغلب مناطق بغداد، وهو معروف بدوره الوحشي في تصفية أهل السنة خلال الحرب الطائفية، وما يزال حتى اللحظة يمارس دوره الإجرامي دون رادع. وفي الديوانية، التي تبعد عن العاصمة بغداد حوالي 180 كم، يهيمن كفاح الكريطي، واسمه الكامل كفاح صباح عبد المهدي الكريطي، على المدينة، إلى الحد الذي جعل أهلها يسمونه الحاكم الفعلي بعد 2003، وبعضهم يلقبه بأبو درع الديوانية. والأمر على نفس الشاكلة في محافظات العراق الأخرى.

قصة كفاح الكريطي عدسة تسمح لنا بالإمعان في القيادات الصدرية، وفهم تفاصيلها وصلاتها بزعيم التيار مقتدى الصدر.

كفاح الكريطي 

نظراً إلى حساسية قصة كفاح الكريطي، ولكونها تبعث الخوف في قلوب سكان الديوانية، فقد تعمدنا إخفاء أسماء من يدلون بتصريحات خطيرة، كذلك فعلنا لخصوصية الوظائف التي يشغلها بعضهم؛ فالعراق بيئة غير آمنة، تشهد حالة انفلات أمني، وانتشار السلاح خارج إطار الدولة، والقتل فيه، وتصفية الخصوم، يعد أسهل من شربة ماء. 

لم يكن كفاح الكريطي قبل 2003 سوى بائع خضروات بسيط في مكان يدعى محلياً بـ “علوة المخضر”، ملابسه رثة، ووجهه يوحي بما صادَفه من متاعب. عمل كفاح في منطقة تطاير فيها الغبار، وافترش أرضها العشب اليابس، تحيط بها مياه آسنة، ويدور من حولها أصحاب العربات وآليات النقل المحلية. كان الناس يشفقون عليه، ويحاولون مساعدته في تطوير عمله حتى يتمكن من إعالة أسرته.

هكذا يروي أبو عبد الله (51 عاماً)، وهو مواطن من الديوانية، ما يتذكره عن كفاح. ويضيف، “لم يصمد كفاح على هذا العمل أو يطوره، بل انتقل إلى ممارسة مهن أخرى منها بيع النفط في عربة يجرها حمار وخلفها خزان كبير مملوء بالنفط، يتجول فيها على بيوت الناس ليملأ براميلهم مقابل مبلغ مادي.” 

لم يكن كفاح، حتى تلك اللحظة، معروفاً كما هو الآن. بل بقي على ما كان عليه حتى تغير النظام عام 2003، حينما انضم أخوه نجاح الكريطي إلى صفوف “جيش المهدي”، بقيادة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فشغل منصباً قيادياً، وشارك في قتال قوات الاحتلال وما كان يدعى الحرس الوطني آنذاك، وقتل في أواخر عام 2005. كان مقتل نجاح بمثابة كشف الحجاب بالنسبة إلى أخيه كفاح، الذي أصبح فيما بعد أشهر قياديي “جيش المهدي” في الديوانية، هو وشقيقه كادح الكريطي، المعتقل منذ عام 2008.

حصلت قفزة كفاح الكريطي من الهامش إلى المتن، ليعرف على مستوى محافظة الديوانية بأكملها، لحظة إطلاق مروحية أمريكية حزمة كبيرة من الأوراق جعلت رؤوس أهالي المدينة تشخص إلى الأعلى بانتظار وصولها إلى الأرض. وما أن وصلت حتى رأوا صورة لشخص بملامح قاسية وعيون جاحظة، أصلع في مقدمة رأسه، وجبهته متغضنة؛ وكتب فوق الصورة “مطلوب للعدالة”، وتحتها اسم كفاح الكريطي، بالإضافة إلى معلومات تفيد بمنح مبلغ يقدر بـ 10 آلاف دولار أمريكي، لمن يدلي بمكانه، مع الحفاظ على سرية المخبر وسلامته الشخصية. 

ونشرت جريدة المدى العراقية في عددها (1122) بتاريخ 2 كانون الأول 2006 خبراً مفاده أن “قوة من الفوج الثالث في محافظة كربلاء ألقت عصر الاثنين القبض على المطلوب كادح الكريطي، شقيق المطلوب أمنياً كفاح الكريطي، المتهمين بعمليات ضد المدنيين والأجهزة الأمنية في الديوانية.” وأشار الخبر إلى أن كفاح الكريطي شقيق المعتقل المطلوب الأول في الديوانية، وأن القوات الأمريكية عرضت مكافأة بقدر 10 آلاف دولار لمن يقدم معلومات تساعد في القبض عليه. 

أشهر جرائمه وأكثرها استذكاراً من قبل أهالي الديوانية 

يقول ر.ف، وهو مواطن من الديوانية رفض الكشف عن اسمه، وكان شاهداً على أكبر جريمة ارتكبها كفاح ومجموعته، “حدثت في عام 2006 عمليات مداهمة ومطاردة لعناصر ينتمون إلى “جيش المهدي”، أجرتها قوات التحالف والحرس الوطني. وبعد قتال استمر لعدة أيام انسحبت قوات التحالف، وتمسكت بالأرض قوة من الفرقة الثامنة. لكن مجموعة كفاح الكريطي تمكنت من أسر 13 عنصراً منها، بعد أن عرض عليهم الكريطي الأمان، وأقسم لهم بمحمد الصدر – مرجع ديني، ووالد مقتدى الصدر، اغتيل في عام 1999 – بأنه لن يؤذيهم. لكنه سرعان ما نكث بقسمه، وأعدمهم جميعاً على حائط إحدى السكلات – مكان مخصص لبيع وتأجير أدوات البناء – ودفنهم في قوالب جص، بعدما مثّل بجثثهم بقطع البلوك وسط أهازيج الانتصار.

ما نقله مواطن الديوانية نجد تفاصيله في موقع القضاء الأعلى العراقي (قرارات محكمة التمييز الاتحادية) لعام 2010، حيث نشر ما يلي، “لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيأة العامة في محكمة التمييز الاتحادية وجد أن محكمة جنايات القادسية قضت بتاريخ 17/5/2009 وبالدعوى 189/ج/2009 بتجريم المتهمين (ك) و(ح) و(أ) و(ع) و(س) وفق أحكام المادة الرابعة/1 وبدلالة المادة الثانية/3و5 والمادة الثالثة/1 من قانون مكافحة الإرهاب وحكمت على كل واحد منهم بالإعدام شنقاً حتى الموت وذلك لقيامهم بالاتفاق والاشتراك مع بقية المتهمين المفرقة قضاياهم بانتمائهم إلى المجاميع المسلحة الخارجة عن القانون وقيامهم بمهاجمة أفراد الحرس الوطني التابعة لقيادة الفرقة الثامنة وقتل ثلاثة عشر شخصاً منهم…” وتابع البيان، “بأنه يوم الحادث الموافق 28/6/2006 وفي مدينة الديوانية هاجمت جماعة مسلحة خارجة عن القانون مفارز الحرس الوطني التابعة لقيادة فرقة المشاة الثامنة في الديوانية/منطقة الحي العسكري والمكلفة بواجب حفظ الأمن وتطبيق القانون في المدينة وحصل تبادل إطلاق نار بين الطرفين حيث استخدمت مختلف الاسلحة الخفيفة والمتوسطة واستمر الحادث إلى صباح اليوم التالي. وبعد نفاذ ذخيرة بعض أفراد الحرس الوطني وهم المجنى عليهم المذكورين أعلاه فقد تم اقتيادهم من قبل العناصر المسلحة وأطلقوا النار عليهم وأدى الحادث بقتلهم جميعاً وبعدها قام المسلحين بإطلاق الاهازيج فرحاً بالجريمة”

تدخل نيابي

بعد هذه الجريمة المروعة وانطلاق ما يعرف بــ “صولة الفرسان” عام 2008، أشيع نبأ اعتقال كفاح الكريطي. لكن أهالي الديوانية لا يصدقون ذلك، ويقولون أن ما حصل وقتها كان دعاية حكومية لامتصاص غضب الناس وإعادة الثقة بالقوات الأمنية، كما ادعى بعضهم أنه تم تهريبه إلى إيران. ولكن بعد مدة وجيزة عاد الكريطي إلى الديوانية، وقام بهاء الأعرجي، النائب السابق والمنشق عن التيار الصدري، بزيارته وقتذاك، وقال فيه عبارة مشهورة، “هذا بيت المقاوم الشريف كفاح الكريطي.”  

ولعل ما يبرر شكوك أهالي الديوانية بأمر الاعتقال هو تصريح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لقناة دويتشه فيلّه، في برنامج تدمير وطن، بأن “الميليشيات بعد “صولة الفرسان” هربوا إلى إيران، والإيرانيون اتصلوا عليَّ ليخبروني إنهم على الحدود ويريدون العبور. قلت لهم: خذوهم لكم لا أريدهم أن يأتوا للعراق بعد!”  

زرنا أحد الأحياء النائية في أطراف مدينة الديوانية، كانت طرقها غير معبدة وبناياتها متهالكة، كأنها خرجت للتو من حرب طاحنة. هنا تقطن إحدى عائلات الجنود الذين أعدمهم الكريطي ومجموعته. يقول باقر عبد الله ذو الـ 21 عاماً، وهو ابن أحد الضحايا، “كنت طفلاً حين سمعت بالخبر. أذكر صراخ والدتي وسائر النساء التي تجمعن في بيتنا. لم أكن أعرف وقتها معنى الميليشيات والعصابات. كان المشهد ضبابياً لدي، ولم أفهم حتى الأسباب التي أعدم لأجلها والدي.” يتحدث باقر، وخلفه صورة والده وهو يبتسم حاملاً سلاحه، وقد ألصق على زاويتها خط أسود، ودوّن تحتها تاريخ مقتله. يواصل باقر حديثه بعينين دامعتين، “أخبروني أن والدي أُعدم برصاصة خلف رأسه تركت ثقباً في جمجمته، وحين غسلوا جثته وجدوا أثار تعذيب وحشية، طعنات سكاكين، وآثار شريح وقذف بالحجارة.” يتنهد باقر ثم يتابع بصوت متهدج، “خفنا وشعرنا بالرعب بعد الحادثة، من الميليشيات التي قد تلاحقنا وتواصل بشاعتها بقلتنا جميعاً. لذلك لم نقم برفع دعوى أو ما شابه، إلى أن ضعفت سطوة الميليشيات قليلًا. وقتها قمنا برفع دعوى وسط يأس كبير، فالقاتل ومجموعته يعيشون حياتهم الطبيعية، ونحن أهل الضحية نشعر بالخوف.” 

قاتل مأجور ومقاول

يقول المحامي أ.ب أن “كفاح الكريطي يهيمن على ثلاث دوائر في الديوانية، هي الصحة والبلدية والتربية، وبإمكانه أن يوظف ويقيل مدراء عامين فيها بقوة السلاح وحماية التيار الصدري، كما يأخذ عقود المقاولات والإتاوات من دوائر الدولة.” ويضيف المحامي الذي رفض الكشف عن اسمه للخط الأحمر، “لدى كفاح مجموعة مسلحة تبلغ زهاء عشرين فرداً، لديهم عربات حديثة بعضها حكومي، وأسلحة متطورة. من بين هؤلاء ابناه منتظر وحسين، اللذين عادة ما ينشرون صوراً وفيديوهات من داخل عرباتهم وهي تسير خلف عربة والدهما. كما ينشرون أحياناً صوراً تظهر ما يملكونه من أسلحة ومعدات حربية، بهدف زرع الرهبة داخل قلوب الناس والقوات الأمنية.” 

حسين، الابن الأصغر لكفاح الكريطي

يضيف المحامي أنه بعد إحدى عمليات الاغتيال التي اتُهم فيها الكريطي وجماعته، قد وكلته عائلة إحدى الضحايا. وما أن شرع في عمله حتى وجد عبوة لاصقة في سيارته، الأمر الذي أجبره على الانسحاب من مهمته. 

ويذكر ضابط أمن في الداخلية للخط الأحمر أن الكريطي من أعضاء لجنة حقوق المتضررين من عمليات قوات الاحتلال وعمليات “صولة الفرسان”. ولكونه عضواً في اللجنة، فقد صار يمارس عمليات ابتزاز مع المستحقين، ومنحَ مبلغ التعويض، الذي يقدر بـ 79 مليون دينار عراقي مع رواتب تقاعد تبلغ قيمتها مليوني دينار، إلى أشخاص تربطه بهم علاقات شخصية. ويوضح الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه قائلاً، “يشترط كفاح على كل شخص يسجل في لجنة المتضررين دفع 50 مليون دينار عراقي كرشوة،” ثم يضيف، “إن الكريطي عمل أيضاً كقاتل مأجور، ويستلم أموالاً طائلة لقاء تصفية شخصيات نافذة في المحافظة.”  

لم يتسن لـلخط الأحمر التواصل مع عائلة الكريطي أو أحد المقربين منه، فكانت صفحته الرسمية على فيسبوك بديلاً عن ذلك. تمتلئ صفحة الكريطي على فيسبوك بمنشورات تثني على زعيم التيار الصدري وتشيد بتأييده ومشاركته فيما صار يدعى “ثورة عاشوراء”، التي انتهت إلى استخدام السلاح، والتي تبرأ مقتدى الصدر منها خلال الشهر الماضي.

ويشير الكريطي إلى نفسه في التعليقات، وفي خضم ردوده على من يتهمه بالفساد، بأنه “مقاول”، شأنه شأن أي شخص آخر. وفي منشور آخر يظهر الكريطي بين مجموعة من شيوخ العشائر في محافظة الديوانية.

ولا تقتصر منشورات الكريطي على هذا الجانب، بل تظهر أحياناً دعمه لشخصيات معروفة بالفساد لدى أهالي الديوانية. ففي أحد المنشورات يكتب الكريطي، “أنا حجي (كفاح الكريطي) وسرايا السلام داعمين للدكتورة لمياء الحسناوي، وما دمنا معها فلن يستطيع أحد إقالتها.” يذكر أن لمياء الحسناوي كانت مدير عام صحة الديوانية، وأُقيلت من منصبها العام الماضي بسبب ملفات فساد. 

براءات على الورق 

تفيد بعض المصادر بأنه توجد أكثر من 14 دعوة إرهاب وقتل مطلوب بموجبها الكريطي. وقد حصل الخط الأحمر على مجموعة من الصور التي تبين هذه القضايا التي حوكم بموجبها وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب. 

كما يتهم أهالي الديوانية الكريطي وجماعته باستهداف الناشط ثائر كريم الطيب بعبوة لاصقة وضعت داخل عربته، وأسفرت عن مقتله بتاريخ 25 كانون الأول 2020. فيما يستبعد مصدر أمني رفيع المستوى دور الكريطي في تصفية الطيب، مبرراً ذلك بالقول، “إنّ ثائر تربطه علاقة جيدة مع الخط الصدري في الديوانية، وهو محط احترام وتقدير لديهم. كما لا تجمعه أي صلة بما يعيق عمل الكريطي في المدينة.” ويرجح المصدر الأمني في حديثه مع الخط الأحمر، أن “استهدافه تم من قبل الفصائل الولائية التي كانت تهدد وتغتال الناشطين والصحفيين في المحافظة،” قبل أن يختم حديثه بالقول، “إن القضاء هو صاحب الكلمة الفصل في هذه المسألة.”  

وفي 17 حزيران من هذا العام، أصدر صالح محمد العراقي، وزير الصدر، بياناً أكد فيه براءة التيار الصدري من مجموعة أسماء كان على رأسها كفاح الكريطي. وشدد البيان على أن هذه الأسماء تستغل اسم آل الصدر والجهاد والمجاهدين بهدف سرقة أموال الشعب، واشترط على الأسماء المعلن البراءة منها التوبة والإصلاح، حتى يتسنى لهم العودة إلى حضن التيار الصدري!

كذلك أصدرت سرايا السلام إعلان براءة من مجموعة أشخاص على رأسهم كفاح صباح عبد المهدي الكريطي، ووصف الإعلان أفعال المجموعة بالوقحة والمسيئة، ودعا أفراد سرايا السلام إلى مقاطعتهم وعدم التعامل معهم على الإطلاق. 

وعلى الرغم من بيانات البراءة من الكريطي، إلا إنه ما يزال يظهر في الصفوف الأولى في الفعاليات التي ينظمها التيار الصدري في الديوانية وبقية المحافظات. وتبيّن بعض الصور التي حصل عليها الخط الأحمر مشاركة الكريطي في مظاهرة لإغلاق مكتب ومسجد تابع لمرجعية الصرخي، وأخرى تطالب الحكومة المحلية بإلغاء منح الإجازات الرسمية لمحال بيع الخمور. وبحسب الصور والفيديوهات فإن الكريطي كان يسير جنب إلى جنب مع حسن القصير، خطيب جمعة الديوانية، وخطباء آخرين ينتمون إلى التيار. إثر تلك المظاهرة، قام الكريطي بتفجير بارٍ مجاز رسمياً، وساهم بحرق مكتب رجل الدين محمود الصرخي وسط المدينة، تحت أعين القوات الأمنية. 

صورة تظهر الكريطي مع رجال دين ينتمون للتيار الصدري عام 2022 

يقول الناشط م.ف إنه “من المستحيل أن يطرد التيار الصدري أحد أفراده، وبالأخص فرداً مثل كفاح الكريطي، يهيمن على اقتصاد المحافظة، وصاحب نفوذ واسع في المدينة، بحيث يكاد يكون حاكماً فعلياً بدل المحافظ،” ويواصل قائلاً، “يمثل الكريطي بقرة حلوب للتيار. وبيانات البراءة ما هي إلا حبر على ورق، الغرض منها تطهير سمعة التيار إعلامياً لا أكثر. أما الواقع فهو غير ذلك، فالكريطي منهم و إليهم، وهو يقدم لهم خدمات لا يمكن لغيره أن يوفرها. كما أن طرد الكريطي سوف يؤدي فعلياً إلى انتمائه إلى جهات ميليشياوية أكثر تطرفاً من التيار الصدري، الأمر الذي يتخوف منه حتى مقتدى الصدر نفسه، الذي رأى كيف تفشي حالة طرد أسرار التيار ومراكز ضعفه.” 

وتظهر بعض الصور التي رصدها الخط الأحمر حضور الكريطي ومشاركته في الدعاية الانتخابية للنائب المستقل عن الكتلة الصدرية حيدر حداد الخفاجي. كما تظهر صور أخرى مشاركة الكريطي في ثورة عاشوراء في الشهر الماضي. 

وفي هذا السياق، أجرى الخط الأحمر عملية بحث في موقع المكتب الخاص للسيد مقتدى الصدر، فوجد خبراً نشر بتاريخ 23 شباط 2012 ورد في نصها، “رد سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد القائد مقتدى الصدر أعزه الله على رسالة عهد قدمت إلى سماحته من قبل المدعو كفاح الكريطي، يعلن فيها براءته من الفئة المنشقة، متعهداً أمام الله بالثبات على الخط الطاهر،” وتم حذف الصورة التي تحتوي على رد الصدر بخط يده وختمه. ولكن فريق الخط الأحمر عثر على الصورة من مصادر أخرى، وكان جواب الصدر فيها، كما هو مبين في الورقة الموقعة، النص التالي، “بالنسبة لي فأنا أقبل توبتك وأسأل الله أن يتقبلها ويجعلها بدون رجعة، آمل منك أن لا تغريك الدنيا مرة أخرى، وأن تصبر على البلاء، وآملاً من الجميع طي صفحة الماضي.” 

يذكر أن الفئة المنشقة هي التي تركت الصدر وانتمت إلى الفصيل المسلح “عصائب أهل الحق” بقيادة قيس الخزعلي، مما يعزز الفكرة القائلة بأن طرد كفاح والبراءة منه لا يتعلقان بأفعاله الإجرامية بقدر ما يتعلق بالولاء والطاعة للصدر. 

وعلى الرغم من كل جرائم كفاح الكريطي، ورغم أن هذا الاسم يبث الرعب في قلوب أهالي الديوانية، فقد عثر الخط الأحمر على صور تثبت تواطؤ بعض قوات الأمن الداخلية مع الكريطي ومجموعته، نشرها الكريطي نفسه على حسابه الرسمي، وتظهره وهو يكرّم عدداً من أفراد قوات الأمن، بينهم من يحمل رتبة عميد. 

صورة تظهر كفاح الكريطي مع عدنان أسود الخضراوي، ضابط أمن برتبة عميد

اعتقال الكريطي بين الحقيقة والوهم 

يقول موظف في إعلام شرطة الديوانية رفض الكشف عن اسمه لحساسية إفادته، “إن ما تسبب في اعتقال الكريطي أمران، كلاهما لا يرتبط بجرائم القتل التي ارتكبها؛ الأول هو تفجير بار يبيع المشروبات الكحولية بتاريخ 22 تموز هذا العام، والثاني هو استعراضه هو ومجموعته المسلحة أمام المقرات الأمنية في المحافظة وضرب أبوابها بقنابل يدوية، وذلك بعدما قامت مجموعة من قوات الأمن برفع التجاوزات من كراج تابع للكريطي، وهو مكان مخصص لغسل السيارات وتبديل الدهون.” ويضيف الموظف، “وقد طاردت قوة الكريطي واستولت على عرباته، وعثرت لديه على مجموعة من الأسلحة. أما هو فلاذ بالفرار إلى جهة مجهولة.” 

ويوضح الموظف أن “صاحب البار لديه صلة وثيقة بضباط وقوات أمن رفيعي المستوى في بغداد، وإصراره على كشف جرم الكريطي وصناعة رأي عام قوي تجاهه، أصاب القوات الأمنية بالحرج، ودفعها إلى اعتقاله في 5 أيلول هذا العام. وقد أصدر إعلام قيادة شرطة الديوانية منشورًا قالت فيه، “تمكنت تشكيلات شرطة الديوانية القتالية من إلقاء القبض على أحد المتهمين والمطلوب بقضايا مختلفة وفقاً لمذكرات أوامر إلقاء القبض الصادرة من القضاء، بعد عملية رصد وتحري لحظة تواجده في مديرية البلدية. فيما تم وعلى الفور توقيفه من قبل السيد قاضي التحقيق تمهيداً لإحالته إلى الجهات المختصة للتحقيق معه.”

لم يشع هذا الخبر الفرحة بين أهالي الديوانية، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم اعتقال مجرم في رقبته الكثير من دماء الشباب، قبل أن يخرج مبكراً أو تسوف قضيته، لكونه صاحب نفوذ ومدعوماً من أحزاب لها ثقل سياسي وأذرع مسلحة.  

يذكر أنه خلال احتجاجات تشرين الأول 2019، قتل زهاء 737 محتجاً وجرح أكثر من 25,984 بحسب تقرير نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حول الفترة الواقعة بين 1 تشرين الأول – 1 حزيران من نفس العام.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة فإن العراق يعد بيئة خصبة لقتل الناشطين وإسكات الأصوات الداعية للسلم، حيث تشيع حالات إفلات الجناة من العقاب أو المساءلة، الأمر الذي يجعل الجرائم المرتكبة تبقى محض إحصائيات وأرقام على الورق.

 

 

VIAAli Faez