كان للعقوبات الاقتصادية التي فُرضت على العراق في عام 1990 أثر مدمِّر على شعبه، ولا سيما النساء اللائي واجهن أشكالاً فريدة من المعاناة خلال فترة العقوبات التي استمرت 13 عاماً. 

كان لنقص الضروريات الأساسية، لاسيما على النساء، تأثير شديد على الصحة والرفاه، كما عانى قطاع الرعاية الصحية بشكل كبير، ما أدّى إلى ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال مع استمرار العواقب المحسوسة حتى اليوم.

 تتعمق هذه المقالة في المعاناة الفريدة للمرأة أثناء الحصار وتستكشف الوضع الحالي لتحديد ما إذا كانت لا تزال تواجه تحدياتٍ كبيرة.

خلال فترة ما يقرب من 13 عاماً بين عامي 1990 و2003، شهد قطاع الصحة في العراق انخفاضا كارثيا في حجم وجودة وكفاءة مؤسسات الرعاية الصحية، الأكثر تضررا من هذا كانت النساء والأطفال.

وفي أعقاب فرض الأمم المتحدة عقوبات على العراق، لوحظ ارتفاع مقلق في معدلات وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة والأمهات، وخاصة في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد، إذ ارتفع معدل وفيات الرُّضع من 47 لكل 1000 مولود حي خلال الفترة 1984-1989 إلى 108 لكل 1000 في 1994-1999. وبالمثل، ارتفعت معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 56 إلى 131 لكل 1000 مولود حي وفقًا لتقرير اممي.

في غضون ذلك، ووفقاً لملخص مسح 1999 الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، ارتفع معدل وفيات الأمهات بسبب العقوبات من 50 لكل 100000 مولود حي في عام 1989 إلى 117 لكل 100000 مولود حي في عام 1997. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل الوفيات الخمس من 30.2 لكل 1000 ولادة حية إلى 97.2 خلال الإطار الزمني نفسه.

علاوة على ذلك، ارتفعت نسبة الأطفال منخفضي الوزن عند الولادة (أقل من 2.5 كجم) من 4٪ في عام 1990 إلى حوالي ربع الولادات المسجلة في عام 1997، بسبب سوء التغذية عند الولادة. كما ورد أن ما يقرب من 70٪ من النساء العراقيات يعانين من فقر الدم خلال هذه الفترة.

على النقيض من ذلك، في كردستان العراق، كان هناك انخفاض في معدلات وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة خلال الفترة نفسها. على وجه التحديد، انخفض معدل وفيات الرضع من 64 إلى 59 لكل 1000، وانخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 80 إلى 72 لكل 1000.

عند إجراء مزيد من الفحص لمعدلات وفيات الأطفال، وجد أن المعدلات الأعلى كانت مرتبطة بشكل عام بالأطفال المولودين في المناطق الريفية، وأولئك المولودين لنساء بدون أي تعليم رسمي، وبين الأطفال الذكور كانت هذه الأنماط متسقة عبر كل من المناطق الجنوبية/ الوسطى وكردستان.

لطيفة السعدي، امرأة عراقية تبلغ من العمر 50 عاماً، شاركت معنا قصة الأمومة خلال العقوبات الاقتصادية على العراق، إذ ترسم صورة لتجارب مروعة.

تحدثت السعدي عن حملها الأول عندما أنجبت ابنتها نور عام 1991، وابنتها الثانية هدى عام 1993. وفي كل عام كانت الأمور تزداد سوءاً، وكان الفرق بين الحمل والولادة واضحاً. أثناء ولادتها الثانية، تتذكر الفوضى ونقص الرعاية الطبية – لم تكن هناك أسرة في المستشفى، ولا أطباء متخصصون، وكانت الخدمات شبه معدومة.

لم يقتصر تأثير العقوبات على قطاع الرعاية الصحية فحسب، بل امتدّ ليشمل جميع جوانب الحياة. ارتفع معدل التضخم إلى 448.50 في عام 1994 حسب بيانات البنك الدولي، مما أدى إلى هجرة كبيرة للباحثين والأطباء والمهندسين الذين غادروا العراق بسبب الفقر المدقع.

شاركت الدكتورة أمينة الشريفي، وهي طبيبة نسائية عراقية، قصة مماثلة، حيث روت الظروف الأليمة ونقص المعدات الطبية: “الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو مشاهدة هؤلاء النساء يموتون أثناء الولادة”، الأمر الذي أجبرها في النهاية على الهجرة إلى خارج العراق عام 1995.

الحلول البديلة للمرأة

كانت البدائل أثناء العقوبات بدائية وتسببت في أضرار جسدية ونفسية للمرأة. تتحدث ابتهال اللامي، 48 سنة، عن تحريم العقوبات، فالعديد من المواد الضرورية الأساسية كانت معدومة ببساطة، “لم يكن لدينا فوط صحية، على سبيل المثال، لجأنا إلى شراء قطع من القماش واستخدامها بدلاً من ذلك، مما جعلنا نفقد إحساسنا بأننا متحضرون”.

تروي ابتهال، التي ولدت أيضاً خلال فترة العقوبات، تجربة مريرة جداً: “عندما أنجبت طفلي الأول (علي) في عام 1995، لم تكن هناك حفاضات متوفرة، فهي إما غير متوفرة أو باهظة الثمن. 

وأضافت أن “ما يعرف بـ “اللجفة” وهي حفاضات مصنوعة من القماش والنايلون استخدمناها عدة مرات وكانت ضارة، لكن لم يكن لدينا خيار آخر”.

الفقر والمرأة

عندما استولى الفقر على حياة العراقيين، وخاصة النساء، بدأت وسائل الإعلام الحكومية في إنتاج صور مشوهة للمرأة العراقية. تم تصويرهن إما على هيئة ضعفاء أو يتمتعون بسمعة سيئة. وقد انعكس ذلك في انخفاض جودة الإنتاج المسرحي، حيث لعبت النساء أدواراً تقلل من قيمهن الاجتماعية والإنسانية. 

في الوقت نفسه، لجأت العديد من النساء إلى الدين للتخفيف من عبء الفقر والعوز. كان من الأسهل عدم البحث عن الماكياج والألوان الزاهية لأن اللون الرمادي ساد.

وقالت نازك مبارك البالغة من العمر 45 عاما: “ما حدث لنا كان بمثابة إذلال. لقد اضطررنا أنا وأخواتي لارتداء الحجاب والعباءة ليس بسبب المعتقدات الدينية، ولكن بسبب الفقر، وأصبحت زيارة مصففي الشعر مستحيلة بالنسبة للكثيرين منا”.

وأضافت أنه خلال تلك الأيام كان كثير منهم يرتدون ملابس بعضهم البعض، ويجددون ملابسهم المستعملة بطرق عدة، من خلال تقصيرها أو حتى بقلبها من الداخل للخارج وخياطتها مرة أخرى. في وقت لاحق، بدأوا في شراء الملابس المستعملة من عائلات أخرى حيث وجدوا الملابس المستعملة التي ربما كانت تخص المتوفى”.

 وقالت: “لقد كنا حقاً في حالة إذلال كبير وواجهنا مشاكل أكبر. لا سمح الله أن تعود تلك الأيام أبداً”.

في عهد العقوبات في العراق، لم تكن حفلات الزفاف دائما مناسبة سعيدة لكثير من النساء. كان عليهن الاستغناء عن العديد من العناصر المرتبطة بحفلات الزفاف أو الاستعدادات للزفاف، بسبب الفقر والعوز، فضلاً عن الخوف من العزوبة. وزاد الركود الاقتصادي والأزمة الاجتماعية التي طالت قطاعات واسعة من الشباب العراقي تحت تأثير العقوبات من هذا الخوف. 

وبحسب صحيفة “الرافدين” الأسبوعية الصادرة عام 2001، كان هناك نحو مليون امرأة عراقية غير متزوجة تتراوح أعمارهن بين 35 و 45 عاما (فوق سن الزواج الطبيعي)، مما يشير إلى اتجاه متصاعد للعنوسة في المجتمع العراقي لم يكن معروفا، قبلها بعشر سنوات.

تقول منى الموسوي، 52 سنة، عن تلك الحقبة “أنقذني الله عندما تزوجت. أنهى عذاب العزوبية الذي كان يطاردني، وبقيت أختي الكبرى غير متزوجة بسبب العقوبات والوضع المتوتر العام في البلاد”.

 وأضافت: “زوجي باع كل شيء لمجرد الزواج مني، وبعت كل شيء لمجرد الحصول على فرصة للسفر والبحث عن عمل في الأردن، ثم عدنا إلى العراق بعد 2003”.

بالتفكير في الآثار طويلة المدى لعقوبات الأمم المتحدة على العراق، تكشف شهادة مجهولة المصدر من طبيب أمراض النساء عن العواقب المأساوية، أن 3 من كل 10 نساء يزرن عيادتها قد عانين من مضاعفات معدية ناجمة عن استخدام المستلزمات غير المناسبة. 

وقد أدت هذه المضاعفات بشكل مأساوي إلى فقدان الأجنة بعد الشهر الثالث من الحمل. تؤكد هذه الإحصائية المقلقة التأثير الدائم لهذه العقوبات، وتوضح كيف يمكن للممارسات غير السليمة التي يتم تقديمها خلال فترات الندرة أن تديم الضرر، عبر الأجيال.

 إن أزمة صحة الأم والجنين، كما أبرزتها رواية أخصائي أمراض النساء، بمثابة تذكير صارخ بالعواقب الصحية الدائمة لمثل هذه السياسات الاقتصادية.