يتعرض مجتمع “الميم” في العراق إلى ضغط إجتماعي كبير، يتزامن مع إنعدام الاستقرار الامني وتنامي سيطرة الجماعات المسلحة على أغلب مفاصل الحياة في البلد، لتجتمع هذه العوامل وتؤدي في نتائجها إلى خلق اضطرابات نفسية واكتائب وحالات انتحار لدى المثليين.

وكانت الجمعية الأمريكية للطب النفسي، قد حذفت المثلية الجنسية من قائمة الامراض النفسية عام 1987، كما وتراجعت منظمة الصحة العالمية في العام 1990، عن تصنيف المثلية الجنسية كنوع من الاضطراب العقلي، عد أن أثبت أن المحاولات التي تهدف الى العلاج التحويلي ليست سوى نوع من التعذيب بحق المثليين، إلى جانب تحذيرات صدرت من قبل هيئة الصحة العالمية في الاثار السلبية المترتبة على محاولات بعض المعالجين والمختصين في علم النفس ممن يدعون “علاج المثلية”، بانهم خضعون لمعتقداتهم الاجتماعية والدينية على حساب خصوصية المثليين.  

لارا عماد 23 عاما (اسم مستعار) من مدينة الناصرية جنوبي العراق، وهي شابة مثلية الجنيس، أكدت في حديث لموقع الخط الأحمر، انها اكتشفت هويتها الجندرية منذ سن الـ14، وحاولت إخفاء ميولها عن عائلتها، خاصة وانها كانت تتعرض للتعنيف الجسدي من والديها بسبب اتهامهم لها بتشبهها بالرجال. 

وتسرد عماد حكايتها “لطالما واجهت التمييز على أساس الجنس من عائلتي، ففي سن الـ15 قام والدي بحبسي بتحريض من أخوتي، داخل غرفة مظلمة لثلاث ايام، ومنعني حتى من الذهاب الى المدرسة لانني قصصت شعري بالكامل”، وتكمل حديثها “والدي قال لي (الله سيلعنني لتشبهي بالرجال)، كما أن والدتي ما تزال تصفني بأبشع الصفات منذ أن علمت بتوجهي الجنسي”.   

وتعاني عماد في المرحلة الراهنة، من اكتئاب حاد ونوبات غضب، تؤدي بها إلى إلحاق الأذى بجسدها. وتصف معانتها خلال حديثها وهي متوترة وقلقة “استيقظ كل ليلة على كابوس فيه شخص يحاول خنقي، وهذا بسبب ما اتعرض له من عنف منزلي، لذلك احاول في كل مرة جرح اجزاء من جسدي للتخلص من القلق الذي اعيشه، أعرف انه يتوجب علي رؤية معالج نفسي إلا انني لا املك حتى حق الوصول اليه، لان والدي يمنعاني من الخروج من المنزل رغم احتياجي للعلاج النفسي“. 

ولغاية الآن، فأن الاطباء والمعالجين النفسيين في العراق، يتعاملون بسخرية مع حالات الاكتئاب والقلق التي يتعرض لها افراد مجتمع الميم، ويلجأون إلى وصف العلاجات الهرمونية المثبطة من اجل إرغام المثليين على الخضوع الى العلاج.

كما تتجه بعض العائلات إلى إخضاع الشخص المثلي من أفرادها، والذي يعاني من الاكتئاب، إلى الأمور الروحانية، منها زيارة الأماكن المقدسة، بغية التخلص، حسب وجهة نظرهم، من الوسواس والشيطان عبر التقرب لرب العباد.

وقبل أعوام ظهر طبيب عراقي في وسائل التواصل الاجتماعي، مدعيا قدرته على علاج المثلية الجنسية، واصفا إياها بانها في الاصل تٌعزى الى تعرض الشخص الى الاغتصاب في طفولته مما ادى الى ضعف ثقته بنفسه وميوله الجنسية، وخلق هذا الادعاء تأييد من قبل اطباء ومعالجين آخرين، وهذا إلى جانب تزايد خطاب الكراهية ضد مجتمع الميم في العراق مع تجاهل تام لصحتهم النفسية والعقلية.

وأثارت تغريدة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، مخاوف من المزيد من الاعتداءات على افراد مجتمعات الميم في العراق، بعد أن ربط فيروس جدري القرود بشكل خاطئ بالمثلية الجنسية.

وفي بيان نُشر على حسابه بموقع تويتر في 23 مايو 2022، أشار الصدر إلى أن جدري القرود تفشى نتيجة لسلوك مثليي الجنس، و كتب “أدعوهم (المثليين) إلى التوبة”، ثم طالب بإلغاء القوانين التي تدعم حقوق المثليين من أجل “حماية البشرية من وباء جدري القرود أو ما نسميه جدري المثليين جنسياً”، حسب كلامه، كما اقترح تخصيص يوم في كل عام للتعبير عن معارضة المثلية الجنسية.

و لم تكن هذه المرة الاولى التي يتهم الصدر مجتمع الميم، في تفشي الأمراض  فقد ألقى باللوم عليهم خلال تفشي جائحة فيروس كورونا.

و تثير هذه التصريحات المؤيدة لزيادة خطاب الكراهية ضد المثليين في العراق الى زيادة التعرض للإقصاء والنبذ المجتمعي او العنف المؤدي الى الضغوط النفسية التي يتعرضون لها.

أما مرتضى حسن 17 عاما (اسم مستعار) من محافظة النجف وسط العراق، وهو شاب عابر جنسيا، أكد لموقع الخط الأحمر، أن “حالتي النفسية سيئة جدا، بسبب المشاكل التي تعرضت لها والتتنمر في المدرسة، بعد أن افشى احدهم مسألة أنني عابر جنسيا”.

ويعني مصطلح العبور الجنسي، التغير من جنس لآخر بسبب اختلاف تعبير بعض الأشخاص عن هويتهم الجنسية والاجتماعية عن الجنس الذي يولدون به، ويطلق على هؤلاء الاشخاص لفظ العابرين أو المتحولين جنسيًا، وفي بعض الأحيان يرغب العابرين أو المتحولين مساعدة طبية للعبور أو التحول من جنس لآخر.

ويستطرد حسن أن “حالتي النفسية ازدادات سوءا بعد أن أرغمني والدي على رؤية شيخ، وهذا الشيخ أدعى بأني مصاب بمس من الشيطان وقام بضربي بعصا صلبة بكافة انحاء جسدي، بينما كان يواصل قراءة كلمات غير مفهومة (تعويذات) لمحاولة إقناعي ووالدي بأنه سيشفيني، ومنذ ذلك اليوم اعاني من الاكتئاب والاضطرابات النفسية”.  

وكانت منظمة عراق كوير المهتمة بحقوق مجتمع الميم في العراق، أكدت لموقع “الخط الأحمر” أنها تحاول تقديم مختلف الخدمات لافراد مجتمع الميم من الأدوية المخصصة لبعض الحالات، والعلاج النفسي عن طريق متخصصين مثلا المعالجين او الأطباء النفسيين، ممن يؤمنون بحقوق مجتمع الميم.

وأعلنت المنظمة أن المعالجين النفسيين في المنظمة ساعدوا عددا من الحالات التي تعاني من الاضطرابات والمشاكل النفسية بسبب ما تعرضوا له من التعنيف الأسري، حيث يوفر العلاج النفسي مساحة آمنة للتحدث عن صحتهم العقلية، وتجاربهم الحياتية المؤلمة مثل الحرب وصدمات الطفولة والعنف والموت وحالات التحرش.

وإلى جانب كل هذه الصعاب، يواجه أفراد مجتمع الميم في العراق، تحديات الصحة العقلية ووصمة العار التي تلاحقهم في حال حاولوا الحصول على خدمات الصحة النفسية، بسبب هويتهم الجندرية في مجتمع يعامل الافراد بناءاً على رغباتهم وميولهم الجنسية.

وحول هذا الموضوع، تشرح المعالجة النفسية هديل زهير (اسم مستعار) خلال حديثها لموقع الخط الأحمر، ما يتعرض له المثليين من اضطرابات نفسية، قائلة إن “الاضطرابات التي يتعرض لها افراد مجتمع الميم هي ليست بسبب ميولهم الجنسية، وإنما يعود سببها لطريقة تعامل المجتمع معهم بشكل غير صحيح، مما يؤدي بهم الى هذا النوع من الاضطرابات النفسية”.

وتشير زهير إلى أنه “لا يمكن اعتبار ممن يعاني من مشاكل نفسية من افراد مجتمع الميم بالمريض بسبب تعرضه للانتهاكات المجتمعية المبنية على اساس النوع الاجتماعي، الذي يؤدي بهم الى مرض الاكتئاب او اضطراب الهوية الجنسية، كما ان الدعم الاجتماعي البسيط لا يعني بالضرورة أن الشخص مريض نفسي حتى يتلقاه، بل من الممكن أن الشخص يمر بأزمة نفسية معينة ويتلقى هذا الدعم”، مضيفة “أما الدعم المتخصص فيتم عن طريق التدخل الطبي الذي يتحول الى علاج حسب التشخيص والحالة، بطريقة تحترم خصوصية وهوية هذا الشخص وكرامته الانسانية”. 

وازدادت نسبة الأشخاص الذين يلجأون إلى المهدئات في العالم، بعد جائحة كورونا عام 2020، والتي تسببت بمشاكل نفسية كبيرة، جرّاء الاجراءات التي فُرضت في معظم الدول، والتي ساهمت في زيادة الضغط النفسي الذي يتعرض له المثليين بسبب استمرار وجودهم داخل المنزل مع بقية افراد العائلة ممن يعرضوهم لرهاب المثلية، ووفقا لاحصائيات منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، فإن العراق أصبح موطناً للأمراض النفسية التي تتفاقم مع تصاعد الأحداث الأمنيّة والسياسية

و مع قلة الدراسات والإحصاءات التي تتناول الصحة النفسية للافراد، لا يوجد سوى ثلاث مستشفيات لمعالجة الأمراض النفسية في العراق وهي “الرشاد” و”ابن رشد” في بغداد، ومستشفى “سوز” في السليمانية.

وفي عام 2020، أجرت منظمة عراق كوير استطلاعًا لمعرفة عدد الذين سعوا للحصول على خدمات الصحة النفسية لمجتمع الميم، ذكر بعض الذين زاروا الأطباء أو المعالجين النفسيين أنهم فضلوا الذهاب الى طبيب خارج مدنهم لتجنب تعرضهم للخطر او وصمة العار.

وفقاً لمنظمة اطباء بلا حدود، فقد تزايد الطلب على تلقي الخدمات النفسية خلال جائحة كورونا بسبب زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما يواجه افراد مجتمع الميم في العراق، صعوبة الوصول الى المعالجين والأطباء النفسيين اللذين لا يفصلون بين معتقداتهم الدينية وارائهم الاجتماعية عن واجبهم في تقديم المساعدة للمريض.

وختاما مع زينب علي 22 عاما (اسم مستعار) من العاصمة بغداد وهي مثلية الجنس، وأجبرت على الزواج من رجل بتدبير من عائلتها.

وتسرد علي قصتها لموقع الخط الأحمر قائلة “اتعرض الى الاغتصاب المتكرر منه، وعند محاولتي العودة الى منزل عائلتي تعرضت للتعنيف الجسدي من أهلي، الذين أعادوني لزوجي قسرا”.

وتؤكد “ما زالت أعاني من مشاكل نفسية أثرت سلبا على صحتي العقلية، وحاولت الانتحر مرات عدة، كما أني غير قادرة على الوصول إلى معالج نفسي”، وتؤكد “أشعر ان جسدي لم يعد ملكي”.  

في تموز يوليو من هذا العام، أعلنت لجنة نيابية في البرلمان العراقي عن وجود مقترح قانون لتجريم المثلية الجنسية في البلاد، ولم يتم التصويت على القانون الى هذا الوقت، إلا أن عدد من اعضاء البرلمان ابلغوا بقرارهم لتمرير القانون على الرغم من انتقادات منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. 

ويعد العراق هو واحد من ثلاث دول ذات أغلبية عربية في الشرق الأوسط لا تجرم صراحة العلاقات المثلية بل يتم اعتقال وملاحقة افراد مجتمع الميم بتهم اخلاقية تحت مفهوم جرائم الشرف او الاخلال بالذوق العام.

ووفقًا للخبير القانوني صلاح ماجد، فأنه أكد لموقع “الخط الأحمر”، أنه “لا يذكر قانون العقوبات العراقي صراحة المثلية الجنسية، لكن المادة 401 تنص على أن (أي شخص يرتكب عملاً غير أخلاقي في العلن يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر بالإضافة إلى غرامة لا تتجاوز 50 دينارًا أو بإحدى هاتين العقوبتين)”. 

وتابع “غالبا ما يستخدم هذا القانون لاستهداف مجتمع الميم، الذين يواجهون العنف والاعتقال والتهديدات بالقتل”، موضحا “كما تشير المادة 3 من قانون الأحوال الشخصية العراقي إلى الزواج على أنه ارتباط بين رجل وامرأة، مما يلغي بشكل فعال إمكانية الزواج من نفس الجنس”. 

فيما رأي عدد من الناشطين الداعمين لحراك مجتمع الميم في العراق، أن تمرير قانون حظر المثلية في العراق سيسمح للسلطات بالإفلات قانونيا من اعتقال وقتل افراد مجتمع الميم، مما يضع المثليين والمثليات ومزدوجي المول الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمدافعين عنهم في خطر أكبر.

بينما تلقى الطبيب النفسي فاضل صادق، من مدينة النجف وسط العراق، العديد من الحالات لشباب يعانون من مشاكل نفسية نتيجة اضطراب هويتهم الجنسية، بحسب رأيه، وقال لموقع “الخط الأحمر” إن “الله خٌلق الإنسان ذكر وأنثى فقط من أجل بقاء البشرية، وكل ما يشعر به هؤلاء الشباب نتيجة بيئتهم الثقافية والاجتماعية، او أحيانًا بسبب تعرضهم لمرض وراثي يسمى ermaphrodite،  مما يعني اضطرابًا وراثيًا يتم علاجه بعلاج بيولوجي لتوحيد هويتهم الجنسية”.