مقابل المال، يعمل السماسرةُ وتجّار الحروب على فعل أيِّ شيء، التهريب مثلاً، الذي يؤمّن رصيدهم المالي لإدامة زخم عملياتهم المريبة، لكن أن يصلَ الأمر إلى تهريب إرهابيين بين دولة وأخرى، فهذا الأمر يوصفُ بالعُجب، لكنّه أصبح وارداً في بلد مثل العراق، الذي أنهكته الحروبُ وعاثت الجماعات الإرهابية فساداً في حرمه وأهله وأرضه.

لكن الغريب ما في الأمر أن مثل هذه العمليات تجري فعلياً في العراق حتى مع وجود أجهزة مراقبة متطورة على طول الحدود التي تفصله عن الدول الشقيقة والصديقة. 

وتشكّل الحدود (العراقية ـ السورية) الممتدة على مسافة (600 كلم)، هاجساً لدى بغداد منذ سنوات طويلة، حيث يتسلل عبرها مسلحو “داعش” وقبلهم مقاتلو القاعدة.

بتاريخ (9 شباط/ فبراير) من العام الحالي، أعلنت قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) عن اعتقال شخصين بتهمة تهريب عناصر تنظيم داعش الإرهابي بين العراق وسوريا. 

وتأتي هذه الأنباء بعد أيام فقط من إطلاق القوات السورية عملية عسكرية جديدة ضد التنظيم.

وجاء في بيان للقيادة، تلقّاه (الخط الأحمر) أن “قواتنا والتحالف الدولي نفذوا عملية مشتركة ضد خلية نائمة لداعش في منطقة تل منخ في (الشدّادي)، واعتقلت شخصين مسؤولين عن نقل إرهابيي داعش بين العراق وسوريا”.

وجاءت حملة الاعتقالات “بعد ثلاثة أيام من إطلاق قوات سوريا الديمقراطية عملية عسكرية جديدة ضد التنظيم في دير الزور على الحدود السورية العراقية. 

واعتقلت القوات المكلّفة بحماية الحدود الخارجية، في اليوم الأول للعملية العشرات من عناصر داعش المشتبه بهم”، بحسب البيان.

وتعدّ دير الزور مركزاً مهماً لنشاط داعش في سوريا، وتعرضت المدينة المنكوبة للعديد من الهجمات من فلول التنظيم الإرهابي.

التهريب بدعم وتسهيلات عسكرية      

وفي العراق، صرّح لـ (الخط الأحمر) ضابط أمني رفيع المستوى لم يذكر اسمه لحساسية الموقف، أن “عمليات تهريب إرهابي داعش من سوريا إلى العراق مستمرة؛ وذلك بدعم بعض المنتسبين في الحدود”. 

ويشير بأن “عملية التهريب تتم مقابل مبالغ مالية تصل للفرد الواحد إلى (2500 دولار أمريكي)، بينهم مسلحين وآخرين من جنسيات أجنبية مختلفة”.

ووفقاً للقوانين السارية في العراق وما يؤكده الخبير القانوني رياض الداوودي من محافظة نينوى في حديثه لـ (الخط الأحمر) أنه “يحقّ للعراقيين غير المشتبه بارتكابهم جريمة محددة بموجب القانون العراقي والدولي، العودة إلى ديارهم أو اختيار المكان الذي يستقرون فيه”.

ويستدرك بالقول: “لكن في حال ما يجري على الحدود من عمليات التهريب الخطيرة لعناصر داعش الارهابي والتي تشكل ظاهرة مخيفة، فهي تعد مخالفة قانونية غير مسبوقة على الحدود”.

 ويستوجب على السلطات الحكومية المسؤولة بحسب الداوودي “محاسبة وكشف المتورطين بأقصى العقوبات القانونية وفقاً للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب في العراق”.

في المقابل، يمكن للإرهابيين من الدخول إلى العراق عبر الصحراء الشاسعة التي تربطه مع سوريا، إما عن طريق التسلل ليلاً، أو عبر استخدام (هويات) مزوّرة، أو التخفّي بزي نسائي (نقاب للوجه وملابس نسائية) أو بصفة رُعاة أغنام، فيتم دخول الإرهابيين بهذا الزيّ الذي شكّل هو الآخر عقدة للقوات الأمنية العراقية. 

وتعلن القوات الأمنية العراقية بين فترة وأخرى عن قيامها بعمليات مباغتة لمتابعة سجل رعاة الغنم بحثاً عن الإرهابيين المطلوبين.

وكانت قيادة العمليات المشتركة، قد أكدت مراراً حرصها على تأهيل الحدود مع سوريا لمنع تسلل الإرهابيين ووقف عمليات التهريب من خلال إنشاء خنادق وموانع معدنية وأبراج مراقبة.

وقال نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير الشمري بحسب الوكالة العراقية الرسمية: إن “المخافر والتحصينات على الحدود العراقية السورية تعرضت للتخريب بعد سيطرة عصابات داعش الإرهابية على المنطقة عام 2014”. 

ويشير إلى أن “الحدود مع سوريا تعد من أهم وأخطر قواطع الحدود الموجودة في البلاد بسبب مسافتها الكبيرة، والتي تتخذها العصابات الإرهابية ممرات للتنقل بين العراق وسوريا لتنفيذ هجمات داخل البلدين”.

ويلفت إلى أن “قيادة العمليات حرصت على تأهيل هذا الخط الحدودي وإعادة المخافر والتحصينات ورفدها بمنظومات مراقبة حديثة”. 

الحدود الهشة وسوء اختيار الجهات الأمنية لحمايتها

على الرغم من إنفاق العراق أموالاً طائلة في شراء أجهزة المراقبة والكاميرات الحرارية لردع تسلل الإرهابيين لأراضيه، إلا أنّ الحدود بين البلدين توُصف بالهشّة التي يسهل اختراقها بين فترة وأخرى.

ويذكر أحد ضباط الاستخبارات العسكرية العراقية، رفض ذكر اسمه، أن “عملية تهريب أفراد من داعش وحتى العوائل من سوريا الى العراق، يجري من خلال مهربين لديهم علاقات وثيقة مع بعض الجهات التي تشرف على دخولهم في الحدود”. 

ويقول في حديثه لـ (الخط الأحمر): إن “الأموال التي تدفع لهذه الجهات المتنفذة هي مقابل عدم إجراء التدقيق الأمني للأشخاص الذين يدخلون عبر الحدود”.

كما يشير إلى “دخول المئات من الأشخاص من جانبي الحدود منهم مهربو الأغنام والمخدرات وحتى بعض البضائع الممنوعة”.

وفي سبيل القضاء على هذه الظاهرة، أو تقويضها على الأقل، يدعو متحدثنا إلى “اختيار أفراد ذوي إمكانية أمنية عالية، وجهات رقابية وتغيير أسلوب المراقبة في الحدود من خلال جهات أمنية مختلفة من الجيش والحشد الشعبي”.

كما يوضّح بأنّ “عملية تهريب الأشخاص ازدادت بشكل كبير، بسبب الرفض الشعبي لعودة عوائل داعش المحتجزين في مخيم الهول إلى العراق”.

وأضاف بأنّ “رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي سبق وأن كلّف جهاز مكافحة الإرهاب بمسك الحدود العراقية لمنع كل عمليات التهريب التي تحدث، ولكن حدث المتوقّع”.

وتابع بالقول: “جرى الضغط على الكاظمي من قبل الأحزاب والمليشيات واضطرّته لسحب الجهاز وإرجاع شرطة الحدود وهيئة المنافذ لمسكها. فعادت عمليات التهريب بأشكالها المختلفة”.

مخاوف المواطنين من عودة الإرهاب

أحمد علي من أهالي محافظة نينوى، شماليّ العراق، يقول لـ (الخط الأحمر): إن “عمليات تهريب أفراد داعش والاعتقالات التي نسمعها بشكل متواصل من الجهات الحكومية، ظاهرة خطيرة جداً”.

ويزيد بالقول، “حتى وان كانت هناك عمليات اعتقال، لابدّ من دخول البعض منهم بالتهريب وهذه الكارثة الكبرى تستدعي وقفة حقيقية من قبل المسؤولين العراقيين”.

بينما يرى المواطن أنور عزيز أن الصراعات السياسية على الثروات والمناصب والمنافسات الحزبية وانتشار المليشيات المسلحة في العراق، تسبب في نسيان خطورة عودة داعش الإرهابي. 

ويقول لـ (الخط الأحمر): إن “دخول عوائل داعش في المجتمع يساهم في نشر التطرف ويوحى بخطورة وشيكة، ما يعني انهم ليسوا أفراداً عاديين حيث يشكلون مخاطر حقيقة على المجتمع”.

وبحسب السجلات الحكومية الرسمية، فقد قتل إرهابيو داعش أكثر من (3400 شخص) وإصابة (10 آلاف آخرين) وتشريد (250 ألف شخص) في نينوى والأنبار، في الفترة ما بين (حزيران 2014 وتشرين الثاني 2017).

وكان لـ (الخط الأحمر) محاولات عديدة للحصول على تصريحات من مصادر مسؤولة في الحكومة وحرس الحدود لمعرفة حجم هذه الكارثة، لكن دون جدوى.

إلا أنّ ضابطاً في القوات الخاصة بالجيش العراقي (فضّل عدم ذكر اسمه) قال لـ (الخط الأحمر): إنّ “هنالك تواطئاً كبيراً من قبل بعض عناصر قوات حماية الحدود التابعة لهيئة المنافذ، حيث يقومون بالتعاون مع جهات خارجية لإدخال إرهابيين عبر الحدود العراقية مقابل مبالغ مالية طائلة”.

الاعتراف الحكومي في مواجهة آفة التهريب

تزداد المنطقة الحدودية العراقية السورية ضعفاً بسبب الصراع بين السلطات التنفيذية وجماعات التهريب على طول الحدود، بالإضافة إلى الاقتتال بين مجاميع مختلفة وعدم الاستقرار في الجانب السوري.

في آب/ أغسطس من عام (2020)، أعلن اللواء يحيى رسول، المتحدّث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي اعتقال (31) سورياً حاولوا التسلل إلى العراق، قادمين من الرقة، مؤكداً أنهم “كانوا يحملون مئات العبوات الناسفة”.

وبحسب مكتب الوقف السنّي في العراق، يوجد أكثر من ألفي مسجد ومركز للصلاة في منطقة الحدود، حيث تخدّم مساحة تمتد من (41 إلى 43 ألف كيلومتر مربع)، أي ما يعادل تقريباً (10%) من الأراضي العراقية، وما يزيد عن (85%) ممن يترددون على تلك المساجد ويديرونها هم من التيار السلفي، و (5%) من أتباع الطوائف الصوفية التقليدية، و (8%) يتبعون للإخوان المسلمين.

 وتؤكد التقارير الأمنية العراقية أن فلول داعش لا تزال قادرة على تهريب الأشخاص والبضائع والنفط والأسلحة والمخدرات عبر الحدود مع سوريا.

وفيما تتهم قوات مسلحة تابعة لإيران في تواطئها بتهريب الإرهابيين من سوريا إلى العراق، إلا أنّ محللين سياسيين عراقيين تابعين لها، يتهمون القوات الأمريكية قيامها بهذا الدور الخفي وتسهيل دخول الإرهابيين للبلاد.

وتتبع (الخط الأحمر) تصريحات مستمرة لخبير أمني عراقي يدعى (أمير عبد المنعم السعدي) يحذّر فيها من تسلل الإرهابيين إلى العراق عبر القوافل العسكرية الأمريكية التي تنتقل عبر كردستان وسوريا والصحراء الغربية.

وقال السعدي في تصريح صحفي لوكالة المعلومة ونقلته وكالة (مهر الإيرانية) وتابعه (الخط الأحمر): إن “القوات الأمريكية تنتقل من قواعدها في كردستان إلى سوريا والعكس”. 

ويضيف أن “عمليات نقل إرهابي تتم في الصحراء الغربية، حيث تأتي عبر قاعدة عين الأسد من سوريا”.

ويضيف، بأن “تحركات الأمريكيين ليست للقيام بعمليات عسكرية في سوريا؛ وإنما لنقل الإرهابيين من مناطق أخرى بين سوريا والعراق”.

وقال السعدي: “تم التأكد من أن مروحيات أمريكية نقلت إرهابيين وهبطت بهم في وادي حوران سابقاً”. 

واقترح السعدي على الحكومة العراقية “إلزام القوات الأجنبية التي تتنقل في العراق بالكشف عن العناصر الموجودة في سياراتها وبيان هوية ركابها، “لأن الأمريكيين غير موثوقين”. بحسب قوله.

وأشار الخبير الأمني إلى أن “القوات الأجنبية موجودة بذريعة اتفاقية أمنية تسمح للحكومة العراقية بإبلاغ وجهاتها وهوية الركاب وما إلى ذلك”.

وسبق أن أعلنت وزارة الدفاع العراقية، بتاريخ (الجمعة 12 حزيران 2020) أن الاستخبارات العسكرية اعتقلت مسؤول شبكات تهريب مسلحي تنظيم “داعش” وعائلاتهم بين العراق وسوريا، وبعض الدول العربية والأوروبية.

وأفادت الوزارة، في بيان لها تناقلته وسائل الإعلام بتمكن “قيادة عمليات نينوى التابعة للجيش العراقي، وبالتعاون مع مفارز شعبة الاستخبارات العسكرية، من إلقاء القبض على أخطر ناقلي ومهربي الدواعش وعوائلهم، والملقب (أبو نمر) في حي الرفاعي بالجانب الأيمن لمدينة الموصل”.

وأضاف البيان أن “الإرهابي يدير عدة شبكات لنقل وتهريب الإرهابيين بين العراق وسوريا، وبعض الدول العربية والأوروبية، ويمتلك علاقات واسعة تسهّل عمله”.

وبتاريخ الـ (20 مايو/ أيار) من العام الماضي، أعلن جهاز المخابرات العراقي اعتقال عبد الناصر قرداش، المرشح لخلافة زعيم تنظيم “داعش” في العراق وسوريا أبو بكر البغدادي، الذي قتل عام (2019) في ضربة جوية أمريكية.

وخلال الأشهر الأخيرة، زادت وتيرة هجمات مسلحين يشتبه في أنهم من “داعش”، لا سيما في المنطقة بين كركوك وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق)، المعروفة باسم “مثلث الموت”. بحسب ما أفادت به وكالة الأناضول التركية.

وأعلن العراق عام (2017) تحقيق النصر على “داعش” الإرهابي باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تقدر بنحو ثلث مساحة البلاد اجتاحها التنظيم صيف العام (2014). 

إلا أن التنظيم الإرهابي لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق ويشنّ هجمات بين فترات متباينة.

كل في الأمر وعبر بعض الحقائق التي توصّلنا إليها، فإن عملية تهريب الإرهابيين إن لم تكن تجري في وضح النهار، فهي مستمرة ليلاً وربما على مسمع ونظر جهات أمنية مستفيدة مالياً أو تتبع أجندات خارجية هدفها زعزعة الأمن في العراق. 

وتهدف عمليات تهريب الإرهابيين إبقاء وديمومة العمليات الإجرامية، لأهداف مختلفة أبرزها إبقاء فتح سوق شراء السلاح الذي يكبّد الدولة ملايين الدولارات. 

وإذا ما أرادَ العراق الخلاص نهائياً من هذه الكارثة الأمنية وإن كانت أقرب إلى المعجزة من الحقيقة، فيجب تكثيف الجهود الأمنية والقضاء على المهربين والمساندين الذين يشتركون في إدامة سيل العمليات الإرهابية وذهاب دماء الأبرياء عبثاً.

VIAموفق محمد