كان علي الحسيني وهو أب لعائلة تتكون من ٥ أفراد، يسير في شارع المغرب، بحي الأعظمية بجانب الرصافة من العاصمة بغداد، قلقاً على مصير ابنته التي تعاني فشلا كلويا.

الحسيني كان قد خرج للتو من مستشفى الخيال المتخصص بأمراض الكلى، إنه بحاجة إلى متبرع ليخلص ابنته من عذابات وآلام غسيل الكلى المستمر، حتى اقترب منه 3 أشخاص أخبروه أنهم يعرفون قصة ابنته ويمكنهم تأمين كلية صالحة لها.

يقول الحسيني، في حديث للخط الأحمر، إنه “فرح بالخبر، ولم يفكر بخلفية أو هوية الغرباء الذين اخبروه بإمكانية تأمين كلية لابنته، وافق على الفور، وأجريت عملية الزرع لابنته في مستشفى في أربيل في إقليم كردستان، مقابل ٣٠ مليون دينار عراقي (25الف دولار أميركي)، سلمها على دفعتين”.

لم يكن الحسيني يعلم أنه يتعامل مع عصابة لتجارة الأعضاء البشرية، ترتبط بشبكة من بغداد إلى إقليم كردستان ولديها أفراد في محافظات الوسط والجنوب، “الأهم تخليص ابنتي من حالتها المرضية الصعبة”، كما يقول.

عمل شادي

في هذه المرحلة ، تظل أساليب عمل هذه الشبكات الإجرامية غامضة. وقد ظلت محاولات الخط الأحمر للتواصل مع الأجهزة الأمنية غير ناجحة. ومع ذلك ، أوضح مصدر داخل جهاز الأمن الوطني العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، أن المجرمين لديهم هياكل متخصصة للقيام بأنشطتها: ​​”هناك مجرمون يستقطبون المتبرعين، وآخرون يراقبون المستشفيات المتخصصة للمشترين المحتملين، بالإضافة إلى أن لديهم الشبكات الداخلية التي تؤكد احتياجات هذا المريض أو ذاك لعضو معين”.

تكثفت حالات تهريب الأعضاء في العراق بعد عام 2003 بشكل غير مسبوق، بحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة. وأوضح المصدر أن المتاجرين بالبشر إما يركزون على بيع الأعضاء البشرية داخل الدولة، أو تهريبها إلى الدول المجاورة. كما علق المصدر نفسه على قصة الحسيني: “الأشخاص الذين التقى بهم السيد الحسيني هم جزء من منظمة إجرامية تعمل في شارع المغرب بسبب وجود مستشفى الخيال المتخصص بأمراض الكلى و حيث يحتاج العديد من المرضى إلى أعضاء جديدة “.

كما قال المصدر للخط الأحمر إن ” بعض أفراد هذه العصابات يتمركزون بالقرب من المستشفى لمراقبة زوارها لتحديد الأهداف المحتملة، لفترة من الوقت، وبمجرد التأكد من أن هؤلاء المرضى بحاجة إلى زراعة أعضاء عاجلة ، يقومون بالاتصال بهم، وفي ظل حالة الطوارئ ، يُجبر الضحية على قبول عرضهم “.

في وقت سابق من شهر كانون الثاني، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال ثلاثة متهمين بالاتجار في الأعضاء البشرية في محافظة واسط جنوب شرق العراق. وبحسب بيان وزارة الداخلية، اعترف المشتبه بهم بتنفيذ ١٧ عملية لتجارة الأعضاء البشرية في محافظة واسط إضافة إلى كونهم جزء من شبكة إجرامية متخصصة في تجارة الأعضاء البشرية في محافظة بغداد. وقال البيان إن المبالغ المالية المغرية المتأتية من مثل هذه التجارة دفعت اثنين من أفراد العصابة إلى “بيع كليتيهما”.

وبحسب محمود (اسم مستعار) مدير أحد المراكز المعنية بحقوق الإنسان في بغداد، بإنه “تنوع أشكال الجريمة فيما يخص الأعضاء البشرية، من بيع الكلية، والخصيتين، إلى البيع وتجارة أجزاء من أجساد المتوفين، فضلا عن سرقة أعضاء الأسرى والسجناء، وشراء الأعضاء من قبل المرضى في السوق السوداء، والإعلان عن بيع الأعضاء عبر الإنترنت، وقسم منها يرتبط بتهريب كل ما يمكن إلى دول مجاورة”.

وفي نهاية المطاف، بسبب نشاط المركز الذي وثق بعض من هذه الجرائم الاتجار تعرض محمود لتهديدات من جهات غير معروفة أجبرته على إغلاق المركز إلى الأبد، “خوفا على حياتي وحياة عائلتي”، حسب قوله.

وذكر تقرير لموقع “الترا عراق”  تابعه الخط الاحمر، بأن هناك “نحو ٦٠ صفحة ومجموعة في الفيسبوك، مختصة ببيع وشراء الأعضاء البشرية”.

ووفق التقرير، يوفر السماسرة عبر الصفحات التي تديرها اسماء وهمية كل متطلبات إجراء العملية وتكاليف السفر إلى محافظات مختلفة. وتهرب نسبة منها إلى دول الخارج، حيث تعتبر “الكويت وتركيا وإيران قبلة مهمة للأعضاء المهربة من العراق”.

بين فبراير ويوليو ٢٠١٩ ، وثق المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، وهو منظمة غير حكومية، وجود ٢٧ شبكة للاتجار بالبشر في البلاد. وبحسب بيان المرصد الذي يتخذ من بغداد مقراً له في ٢٨ تموز ٢٠١٩ ، فإن “معظم شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية تتخذ من إقليم كردستان ملاذاً آمناً لممارسة جرائمها من خلال استدراج الضحايا هناك وسرقة أعضائهم”.

أدى الخلل الواضح في التواصل بين السلطات المركزية والكردية إلى الحد من قدرتهم على مكافحة الجريمة المنظمة. وفي هذا الصدد ، أوضح مصدر في وزارة الصحة الاتحادية، طلب عدم ذكر اسمه، للخط الأحمر أن وزارته واجهت صعوبة في التواصل مع أقرانها في المحافظات الكردية، خاصة عندما تعلق الأمر بإجراء عمليات تدقيق تفتيشية وإجراء تحقيقات بشأن مسائل خاصة. وأشار المصدر إلى حادثة غريبة حيث أرسلت وزارة الصحة المركزية كتابا رسميا إلى وزارة الصحة في اقليم كوردستان لتجيب الاخيرة: “اكتبوا إلينا بالكوردية بدلاً من العربية”.

كيف يتم نصب الضحايا

سالم هو لقب ضحية تجارة أعضاء قاصر وافق ذات مرة على التبرع بكليته مقابل المال. ووصف للخط الأحمر كيف تكشفت مصيبته: “لقد أغراني العرض مالي: أكثر من ٥٠ الف دولار أمريكي لكلية واحدة. وبعد أن اتفقت والتاجرعلى البيع، دعيت إلى بغداد، في مركز متخصص لـ زرع الأعضاء البشرية في مستشفى الخيال، وقد قام التاجر بالفعل بجميع الاستعدادات “.

في حالة سالم ، قام السمسار بتزوير موافقة والديه بالإضافة إلى سنه القانوني. ولهذه الغاية ، استخدمت بطاقات هوية مزورة وخطابات موافقة ملفقة من والديه. حصل الخط الأحمر على وثيقة تعتبر نموذجًا لموافقة الآباء على التبرع بكليتي الضحايا.

يذكر سالم أنه لم يتقاضى الأجر بعد العملية. وبسبب الأساس غير القانوني للعملية، لم يتمكن من تقديم شكوى ضد التجار. لم يستطع سالم تقديم شكوى ضد المتجرين لأن القانون يمنع أي مدفوعات مقابل التبرع بالأعضاء. علاوة على ذلك، فإن سن سليم (أقل من 18 عامًا) ووثائقه المزورة من شأنها أن تضعه عرضة للمقاضاة بسبب مشاركته في مثل هذه العملية.

وبحسب المرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، فإن شبكات التجار لها مقار في السليمانية، حيث تستدرج ضحاياها (عادة من المشردين وفقراء مدقعين) بالمال مقابل أحد أعضاء أجسادهم. بعد العملية، غالبًا ما يجد الضحايا أنفسهم يعانون من مضاعفات جسدية، بينما لا يتم تسليمهم الاموال المتفق عليها في كثير من الأحيان. شارك الدكتور فالح (اسم مستعار لطبيب من مستشفى الخيال) تجربته في هذه الممارسة مع الخط الأحمر: “هناك الكثير من الناس يبيعون كليتهم بسبب الفقر المدقع. حيث يتم تهريب بعض الكلى المباعة إلى خارج البلاد من خلال المراكز الصحية الخاصة الموجودة في إقليم كردستان”.

وكانت صحيفة القضاء الالكترونية، الصادرة عن السلطة القضائية العراقية، قد تحدثت في وقت سابق 2018-06-28، عن تحول إقليم كردستان الى مركز لتجارة الأعضاء البشرية، وفيما أشارت إلى أن موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صار وسيلة مهمة في رواج هذه التجارة. ومع ذلك، لا تزال سلطات الاقليم مترددة في التعاون مع بغداد لمواجهة هذه الظاهرة.

قدم الناشط الحقوقي في كردستان جهاد حويز نظرة ثاقبة على قضية خصوصيات المنطقة الكردية: “في كردستان العراق ، ترتكب العيادات الخاصة الجرائم في سرية تامة”. مضيفا ان “هنا وثائق رسمية توضح ان بعض الاشخاص تم تهريبهم الى الخارج عبر اقليم كردستان كجزء من (الهجرة غير الشرعية) وقد تعرضوا بالفعل لانتزاع أعضائهم”. حيث يمكن استغلال ضحايا الهجرة بسهولة بسبب ضعفهم أمام المهربين الذين وجدوا ربحًا سهلاً من خلال تهريب ضحاياهم (جزئيًا) وليس كليًا. العيادات الخاصة ، بحسب مصدرنا من وزارة الصحة ، تقوم بمعظم العمل عن طريق إزالة الأعضاء والتخلص من الجثث خلف أبواب مغلقة.

ضعف الرقابة الحكومية

حصلت الخط الأحمر على وثيقة إحصائية رسمية لعدد الجرائم المسجلة لانتهاك حقوق الإنسان، خلال العام ٢٠٢٠، كانت من بينها جريمة واحدة تخص المتاجرة بالأعضاء البشرية، فيما تضمنت وثيقة أخرى خاصة بموقف جرائم الاتجار بالبشر عام ٢٠١٨، سجل ٤ ضحايا لجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية. تشير هذه الأرقام، إلى ضعف كبير في المتابعة والرصد الحكومي، الأمر الذي يشير إلى ضياع الأرقام الحقيقية للمجرمين والضحايا وعمليات التجارة بالأعضاء الجارية على قدم وساق.

قال عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي ، للخط الأحمر ، إن تجارة الأعضاء البشرية ازدادت في الفترة الأخيرة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والأمني ​​في البلاد ، مضيفا أن تهريب الأعضاء كان مصدر تمويل لمنظمة داعش الارهابية. كما عزا الخبير في الشؤون الأمنية عباس العرداوي انتشار تهريب الأعضاء البشرية إلى انتشار داعش في مناطق واسعة في العراق، زاعمًا أن التنظيم الإرهابي شجع مثل هذه الأنشطة لتمويل عملياته. وحول تنظيم الإتجار بالبشر أوضح البياتي: “إن شبكات الجريمة المحلية مرتبطة بالتأكيد بشبكات أكبر تتعامل أيضا مع المخدرات والأسلحة”.

وأوضح البياتي ، في وصفه لآخر الإحصاءات التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (UNHCR)، أن عام ٢٠١٩ شهد اعتقال ٥٠٦ مشتبهاً بتهمة الاتجار بالأعضاء ، من بينهم ١٦٠ حُكم عليهم. وأشار البياتي إلى أن هذه الأرقام لا تمثل الأرقام الحقيقية لضعف الرقابة الحكومية على هذه الظاهرة. كما تشير هذه الاحصائيات إلى عدم قدرة الحكومة على تتبع معدلات الجريمة، حيث إن السجلات المذكورة سابقاً بالكاد تذكر أياً من الأرقام التي وثقتها الأمم المتحدة في العراق.

في عام ٢٠١٢، قرت الحكومة العراقية قانون مكافحة الاتجار بالبشر، والذي تم توسيعه ليشمل الاتجار بالأعضاء البشرية. وأوضح الخبير علي التميمي أن “قانون مكافحة الاتجار بالبشر يتكون من ١٤ مادة تنص على عقوبات تصل إلى السجن المؤبد وغرامات تصل إلى ٢٥ مليون دينار (٢٠ ألف دولار)”.

وفي السياق ذاته ، شدد البياتي على أن التشريعات المتعلقة بالاتجار بالبشر ما زالت بحاجة إلى تعديل، ويجب أن يراعي القانون الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الضحايا إلى أيدي المجرمين المنظمين. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد محاكم متخصصة تتعامل مع هذه الأنواع من الجرائم. وعلى الصعيد الإنساني، أشار موظف الأمم المتحدة إلى أن الدولة بحاجة إلى دور إيواء للمشردين وبرامج توعية تستهدف المجتمع من أجل زيادة الحماية داخل المجتمع من مثل هذه الجرائم.

وحول تطبيق قوانين الاتجار بالبشر، قال بدر الزيادي، عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، للخط الأحمر: إذا وفرت الحكومة سبل العيش الكريم ، فلن يتورط الفقراء في بيع أعضائهم. “

VIAمصطفى المسعودي و عامر الشيباني