من مخيمات النازحين الى مخيمات اللاجئين … الايزيديون يبحثون عن وطن آمن

’’ بعد ثماني سنوات من ارتكاب داعش إبادة جماعية ضد الأيزيديين في العراق، لا تزال الإبادة الجماعية مستمرة، ووفقاً لإحصاءات مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، “تم اختطاف حوالي 6,417 ايزيدياً، معظمهم من النساء، ومن بين هؤلاء، تم تحرير 3,562 شخصاً، منهم 1,207 نساء، و339 رجلاً، و2,516 طفلاً، بينما لا يزال الآخرون مفقودين، وهاجر حوالي 120000 ايزيدي من مختلف المناطق الإيزيدية إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، ولا تزال الهجرة مستمرة’’

“كان صوت سقوط المطر على خيامنا من أقسى أنواع التعذيب، مع كل موجة مطر يتكرر الألم ولا نجد له مهرباً بينما الخيام ترقص مع هبوب الرياح.. هكذا نقضي أيامنا، برد قارص في الشتاء، وحر خانق في الصيف” يقول الايزيدي شمو علي(45 عاما)، الذي قضى ست سنوات من عمره في مخيمات النزوح بعد هجوم داعش على سنجار، صيف سنة 2014.

 نجا باعجوبة من ايدي مقاتلي داعش ووصل الى جبل سنجار مع عائلته وبقي هناك محاصراً بلا ماء ولا طعام لعشرة ايام كاملة مثل آلاف آخرين قبل ان يتم فتح ممرات اوصلته بعد اسبوعين الى مخيم شاريا في دهوك “في شتاءات النزوح كنا ننتظر شروق الشمس لتجف خيامنا، الأيام هناك لا تتغير، هي مجرد أرقام في التقويم” هكذا وصف الحال شمو علي.

في كل ركن من اركان وطنه شعر بالخذلان، وكأنه في سجن ويدور فيه بحلقة من المشكلات والروتين القاتل والايام المتتالية التي تشبه بعضها، لم يتخيل ان يترك عائلته ومنزله ومدينته يوماً ما، اصبح مكرهاً للبحث عن ملاذ اكثر امناً، يحفظ فيه كرامته، حتى تمكن من الهجرة خارج وطنه في ايلول 2021.

رغم المخاطر والصعوبات الكبيرة التي واجهها خلال رحلته، ولاحقا في بلد لجوئه لكنه لا يتردد في دعوة الإيزيديين الى الهجرة كلما أتيحت لهم الفرصة “اذا لم يغادروا سيموتون في المخيمات بلا أمل وبدون أي حقوق، أو سيعودون الى مناطقهم المتخمة بالصراعات ليخسروا ربما مرة أخرى امام تنظيم جديد كل ما بنوه وجمعوه طوال سنوات”.

معاناة مستمرة

’’ يجب على العالم كله مساعدة الإيزيديين وإنصافهم وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم إلى مناطقهم والحفاظ على هويتهم الدينية’’

بعد ثماني سنوات من ارتكاب داعش إبادة جماعية ضد الأيزيديين في العراق، لا تزال الإبادة الجماعية مستمرة، ووفقاً لإحصاءات مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين، “تم اختطاف حوالي 6,417 ايزيدياً، معظمهم من النساء، ومن بين هؤلاء، تم تحرير 3,562 شخصاً، منهم 1,207 نساء، و339 رجلاً، و2,516 طفلاً، بينما لا يزال الآخرون مفقودين، وهاجر حوالي 120000 ايزيدي من مختلف المناطق الإيزيدية إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، ولا تزال الهجرة مستمرة”.

الباحث في الشأن الايزيدي فلاح حسن حذر قائلاً: “هذه إبادة جماعية أخرى ضد الإيزيديين، فهم يحاولون بشتى الطرق إفراغ العراق من الإيزيديين، وهذا أمر مؤسف، ويجب على العالم كله مساعدة الإيزيديين وإنصافهم وتهيئة الظروف المناسبة لعودتهم إلى مناطقهم والحفاظ على هويتهم الدينية”.

واصفاً حسن وضع الايزيديين “بالمأساة”  وان الصراع مستمر على مناطقهم وهم يعيشون بأسوأ الظروف المعيشية، معتقدين ان الهجرة هي الحل الأمثل!”. 

كما أن العائلات الايزيدية تغامر بالهجرة عبر طرق خطرة، سواء من خلال مهربين  مختصين بتجارة البشر، وعبر قوارب الموت التي تعبر البحار أملاً في إنقاذ أنفسهم من الجحيم الذي يعيشون فيه، بعد سنوات أخرى وبهذه الطريقة ستكون أعداد الإيزيديين بضعة آلاف!”.

مدير منظمة الند لديمقراطية الشباب شيرزاد محمد تحدث لـ “خط الاحمر” قائلاً : “بدأت موجة الهجرة الايزيدية الجديدة في الصيف المنصرم، وتحديداً شهر أغسطس والتي هاجر في بدايتها 3053 ايزيدي، وحاول الآلاف من الايزيديين أيضاً الهجرة لكن محاولتهم فشلت”.

العدد في تصاعد مستمر، ونظراً  لحلول فصل الشتاء وبرودة الطقس وصعوبة الطرق التي يسلكها المهاجرون، اصبحت الهجرة شبه متوقفة، لكن هناك من يخاطر ويهاجر رغم كل ما ذكر، ويعتقد محمد ان  “أسباب الهجرة واضحة جداً فالعيش بالمخيمات، وعدم وجود فرص عمل ووجود مشكلات اجتماعية واقتصادية، وعدم الشعور بالأمان، وتهميش الايزيديين من قبل الحكومة المركزية ماهي الا دوافع للاستمرار بالهجرة”. 

بحسب المنظمات الايزيدية، يقدر عدد الإيزيديين في العراق بنحو مليون شخص غالبيتهم في قضاء سنجار شمال غربي محافظة نينوى وقضاء الشيخان شمال شرقي نينوى وناحية بعشيقة شمال شرقي الموصل، وأصبحت ألمانيا الموطن الثاني للجالية الايزيدية بعد العراق، ويبلغ عدد النازحين الايزيديين الموجودين حالياً في مخيمات النازحين بإقليم كوردستان 135.860 نازح ايزيدي، أما عدد النازحين الموجودين في المناطق المتفرقة داخل الإقليم فيبلغ 189.337 نازح.

 وبحسب منظمة الند لديمقراطية الشباب و في الخمس اشهر الماضية هاجر نحو 5 الاف ايزيدي الى خارج البلاد و فشل عدد كبير من الايزيديين في العبور الى اليونان، وتتوقع المنظمة موجة اخرى من الهجرة بعد انتهاء فصل الشتاء الجاري.

الهجرة مؤشر سلبي

’’ السلاح المنفلت والجماعات المسلحة هي السبب الرئيسي لإبقاء الحال كما هو، وأيضاً ضعف الضغط السياسي الايزيدي وليس هناك قوة ايزيدية سياسية للضغط على الحكومة’’

 الباحث في مركز رامان للبحوث والاستشارات شاهو قَرَداغي قال أن، “سنجار من المناطق التي كانت لها حصة الأسد من الأضرار بسبب العمليات الإرهابية في العراق، حيث تم قتل و خطف الآلاف من الايزيديين و نزحت اعداد هائلة من اهاليها، و رغم تحرير القضاء منذ اكثر من 5 سنوات الا ان وجود الصراعات الداخلية و التدخلات الإقليمية عرقلت عجلة إعادة بناء القضاء و عودة الأهالي إليه”، ونوه قَرَداغي الى انه السبيل الوحيد لتطبيع الأوضاع في سنجار هو “إخراج الجماعات المسلحة من المنطقة بجميع مسمياتها و إنهاء وجود السلاح المنفلت، و حصر السلاح بيد الدولة، و تطبيق القانون، و التأكيد على وجود الدولة، حيث كانت اتفاقية سنجار تتضمن هذه العوامل بالفعل لكن نتيجة لوجود عوامل خارجية و مؤثرات داخلية لم يتم تطبيق الاتفاقية”.

وفي الوقت نفسه حذر قَرَداغي من استمرار هجرة الأيزيديين الى خارج البلاد، وما هو الا “مؤشر سلبي بان الأمور لازالت معقدة وأن الأرضية غير مهيأة لعودة النازحين الى ديارهم وان الحكومة العراقية غير قادرة على الحفاظ على هذا المكون وإعادتهم الى سنجار”.

ولفت قَرَداغي، “السلاح المنفلت والجماعات المسلحة هي سبب رئيسي لإبقاء الحال كما هو، وأيضاً ضعف الضغط السياسي الايزيدي اي ضعف اللوبي الايزيدي في العملية السياسية وبالتالي ليس هناك قوة ايزيدية سياسية للضغط على الحكومة كما يعمل الشيعي او السني ويساهم في إصدار قرارات او يغير مسار بعض الاتفاقيات”.

لا حياة في الخيم 

النازحون الإيزيديون ينتظرون موقفاً من الحكومة العراقية ويعيشون في مخيمات النازحين في محافظة دهوك شمالي العراق، لكن أوضاعهم لم تتغير منذ أكثر من ثماني سنوات والأوضاع تشتد عليهم مع مرور الوقت، فمنهم من لا يزال في المخيمات لأن منازلهم مدمرة بالكامل والبعض الآخر يعيش في المخيم بين مطرقة الهجرة وسندان الاندماج مع المجتمع المضيف، ونسبة منهم ينتظرون تحركات الحكومة لتوفير الخدمات الحياتية في قضاء سنجار حتى يتمكنوا من العودة. 

بعد تحرير قضاء سنجار من تنظيم داعش الإرهابي، طالب الأهالي بإعادة إعمار المنازل المدمرة، وتوفير الخدمات في القضاء، وإزالة مخلفات الحرب من شوارع المدينة، لكن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح والحكومة رغم تغييرها لخمس دورات في أكثر من ثماني سنوات، غير قادرة على إيجاد الحلول المناسبة للنازحين الإيزيديين وإغلاق المخيمات.

يسير من بين الخيم في مخيم شاريا للنازحين في محافظة دهوك ويتحدث قائلاً: “بالنسبة لي الهجرة افضل من البقاء، وانا اعتقد ان الجماعات الإرهابية إذا توفرت لهم الفرصة سيقتلون أطفالنا، فأنا عشت مرارة الإبادة الأخيرة التي اشرف عليها داعش، و لا اريد ان يعيشوا أطفالي هذه المرارة مجدداً، انا هنا في المخيم لم اعد انتظر الحكومة لإيجاد حل، فلماذا أبقى؟”،  هكذا تساءل الايزيدي النازح من سنجار لقمان شفان.

لماذا الهجرة؟

قبل نحو شهرين، قرر رغد غانم الهجرة تاركاً والدته تبكي لحظة وداعه، وهو يقطن الان مخيم سيرس لللاجئين في اليونان، منتظراً الإجراءات لينتقل إلى احدى دول الاتحاد الأوروبي، ومثله المئات من الشباب من المكون الايزيدي داخل المخيم ذاته، وبالفعل غادر العشرات منهم مخيمات اللاجئين  الى بلدان أوروبية تاركين وراءهم عوائلهم في أرض الوطن.

“فقدنا كل شيء في سنجار، وإبادة الايزيديين مستمرة بكل تداعياتها، يجب أن نخرج من الصدمة للتعافي، ونبحث عن مستقبل وبقعة آمنة تحافظ على وجودنا، حتى بيوتنا المدمرة في سنجار ليست بأسمائنا، لا أعرف كيف بنى أجدادنا على هذه الأرض”، لهذا السبب حسب قوله هاجر غانم.

 وبحسب ناشطين ايزيديين، فقد عثر على شابان ايزيديان في الطريق الى اليونان، كما تم العثور على جثة مجهولة الهوية داخل الحدود اليونانية يعتقد انها تعود لشاب ايزيدي يدعي ماهر خضر، و ذكر مصدر رفض الكشف عن أسمه و هو مقرب من عائلة الشاب بأنه تم إجراء فحوصات الـ DNA لعائلته للتأكد من ان الجثة تعود لابنهم.

محاصصة ووعود 

 وكان رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي قد تفقد أوضاع النازحين الايزيديين في مخيم قادية اقصى شمال العراق في سبتمبر 2020 ووعد بإنهاء ملف النزوح، لكن الحلول التي تم طرحها لم تكن تقنع الجميع، وزار الكاظمي مدينة سنجار واطلع على أوضاع القضاء ومن على المقابر الجماعية وعد أيضاً ناجية ايزيدية بإيجاد حل جذري واعادة إعمار القضاء وإعادة أهلها ولكن دون جدوى. 

وقال محافظ نينوى نجم الجبوري في مؤتمر ميري الذي انعقد في أربيل الشهر الماضي بان الحكومة المركزية لم تكن موحدة الرؤية في مسألة سنجار، مشيراً الى انه طرح عدة حلول ولم يتم الموافقة عليها من قبل الجميع مؤكداً ان الأحزاب في كوردستان تريد حل 100٪ ولا يرضيهم اي شيء آخر، مبيناً ان سنجار اصبحت قضية إقليمية ولا يوجد فيها ادارة شرعية ليتعاملوا معها.

في العاشر من أكتوبر 2020 وقعت الحكومة المركزية اتفاقية سنجار مع حكومة إقليم كردستان العراق لتطبيع الأوضاع في القضاء و تضمن الاتفاق عدة بنود منها وضع إدارة مشتركة للقضاء و إعادة تنظيم الأمن في القضاء و البقاء على الشرطة في مركز القضاء و وضع خطة لإعادة اعمار المدينة و التي تم اعتبارها مدمرة بنسبة 80٪ .

ويدخل قضاء سنجار ضمن المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي والتي تسمى بالمناطق المتنازع عليها و لم تطبق هذه المادة أيضاً و بقيت حبرا على الورق اسوة باتفاقية سنجار، حكومة اقليم كردستان لم تتنازل عن اي منهما و هم ينتظرون تطبيق إحداها للعودة الى سنجار و استلام القضاء مجدداً و أطراف أخرى كالقوات القريبة من أيديولوجية الPKK تعارض تطبيق اتفاقية سنجار باعتبارها تمت دون موافقة اهالي سنجار على حد قولهم.

خيبة امل 

’’ كل فرد عراقي يرى الخطورة على مستقبله سيهاجر وطنه، حتى لو كان الأمر مستحيلاً، الهجرة في المجتمع الايزيدي أتت من خيبة امل كبيرة و انعدام الثقة بالحكومة’’

بعد ان انسحبت القوات الأمنية من سنجار في أغسطس 2014 ابان هجوم داعش على القضاء دون اي مقاومة او محاولة للحفاظ على سلامة المواطنين لم يعد الايزيديون يثقون بأحد ويعتبرونها مؤامرة تمت للقضاء عليهم وفقدوا الثقة، مما جعل هجرة الايزيديين مستمرة، ولازال الخوف يلتف حولهم فهم يهابون إبادة أخرى من جماعة إرهابية اخرى وموقف حكومي مخذل. 

الصحفي ليث حسين اكد ان ” كل فرد عراقي يرى الخطورة على مستقبله سيهاجر وطنه، حتى لو كان الأمر مستحيلاً، الهجرة في المجتمع الايزيدي أتت من خيبة امل كبيرة و انعدام الثقة بينهم و بين الحكومة، وحكومة الكاظمي مثلاً اتت بالعشرات من الوعود للايزيديين لكن لم تنفذ ١٪ من وعودها فكنا نأمل منها الكثير بعد دوره الكبير في تسليط الضوء على المكون الايزيدي و زار بنفسه الى مخيمات النازحين و وعد النازحين باعادتهم الى منازلهم معززين لكن الحال كما هو عليه”.

اضطر حسين البقاء في المخيم لان مدينته منكوبة وتم تهميشها من قبل الحكومة المحلية وممثليها في البرلمان العراقي، وغالبية المنازل مدمرة، ولا يستطيع المواطن اعادة اعمار منزله من دون تعويض من الحكومة.

شمو علي الرجل الذي ولد في منزل طيني صغير شمال قضاء سنجار، وعمل لنحو 20 عاماً عامل بناء بأجر يومي، تزوج قبل نحو سنة ونصف من الابادة الجماعية التي تعرض لها الايزيديون في اغسطس 2014، وانجب ثلاثة أطفال في مخيمات النزوح، وصل إلى اليونان قادما من تركيا ومن هناك نجح في الوصول الى المانيا بعد اربعة أشهر “عشت 40 سنة في الوطن وانا لا املك متراً واحداً فيه، وغادرته بعد ان قررت خوض مغامرة الهجرة، إما أن أموت أنا وعائلتي معاً أو نعيش بكرامة في وطن جديد”.

VIAميسر الاداني _ ذياب غانم