في اليوم الأول من شهر أيار، يتمّ تعطيل الدوام الرسمي في العراق وتغلق المؤسسات الحكومية أبوابها ويخلد الموظفون إلى الراحة، احتفاءً بعيد العمّال، لكن المفارقة أن العمال وحدهم في هذه المناسبة يغطون في أعمالهم و لا يعرفون شيئا عن هذا العيد!

بيد أن أي مراقب للشأن العراقي يعلم أنها ليست مفارقة، فهذه الطبقة المسحوقة من الشعب إذا تعطل عملها ليوم واحد لن تجد ما تأكله.

تعيش طبقة العمال، التي تمثل السواد الأعظم من نسمات العراق في قعر سلمّه الطبقي، وتئن تحت وطأة صعوبة العيش وتعسّف أرباب العمل والإهمال الحكومي والاستغلال.

ما هو أكثر، فإن العامل العراقي يواجه أيضاً عقبات تتعلق بعمله نفسه، منها الظروف المناخية القاسية وعدم توفير إجراءات السلامة والضمان الصحي والاتفاق الشفوي دون تنظيم عقود عمل، والطرد المتعسّف، وساعات العمل الطويلة، فعلى سبيل المثال يستمر عامل البناء في العمل تحت ظروف قاسية من الساعة السادسة صباحا إلى الرابعة عصرا (نحو 10 ساعات) مقابل 25 ألف دينار ( نحو 18 دولارا) فقط.

“إذا استمررنا في العمل إلى الساعة السادسة، أحيانا يتم منحنا خمسة آلاف دينار، وهذا ليس ثابتا”، يقول عمر عبد الهادي (28 عاماً).

ويعمل عبد الهادي في مهنة تشييد أسس الأبنية والصب الإسفلتي، وهي مهنة تتطلب جهدا عاليا تترك أثرها الثقيل على الجهاز العضلي، وتسبب أمراض المفاصل المزمنة.

وحتى لو تسبب العمل بكسر أو جرح خطير، فإن عبد الهادي سيلجأ إلى معالجة نفسه على نفقته الخاصة، فهو لا يعرف شيئا عن الضمان الصحي.

وردا على سؤال يتعلق بالمطالبة بزيادة الأجر، يجيب العامل أن “ردة فعل رب العمل على هذا الطلب واضحة، استبدالنا بآخرين، حتى بأقل مما يمنحه لنا، رب العمل لن ينظر للكفاءة أو جودة العمل، إنه يريد إكمال المشروع بأقل الكلف”.

بسبب الخوف من الجوع، والجهل القانوني، تذهب الكثير من حقوق العمال أدراج الرياح، وهذا يأتي بوجود قانون مشرع وهو قانون العمل العراقي رقم (38) لسنة 2015، بالإضافة إلى وجود محكمة متخصصة بالعمل، ووزارة، وحزمة من الاتحادات والنقابات والمنظمات التي تدعي تمثيل هذه الشريحة.

ويعيش البرلمان حالة جدل ولغط منذ سنوات، بشأن تمرير قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، وذلك بسبب بنوده التي تضمنت استقطاعا من العامل طيلة فترة عمله بهدف منحه التقاعد، وهو ما ترفضه بعض الجهات العمالية أو تعد المبالغ كبيرة، فهي تتراوح بين 35– 50 دولارا.

حتى أن وزارة العمل تعترف بكثرة المنظمات الممثلة للعمال، لكنها تعترف بواحدة: أن “تعاون الوزارة يكون مع الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، رغم هناك الكثير من الاتحادات الأخرى، لكن هذا الاتحاد هو الرسمي، والبقية عبارة عن منظمات مجتمع مدني”، يقول المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي.

ويكشف متحدث الوزارة أن “هناك توجها لدمج جميع هذه الاتحادات وتوحيدها، وجرت اجتماعات بهذا الصدد”.

كل هذه المؤسسات، التي من المفترض أن تقوم بحماية حقوق العمال، لا يعرفها عبد الهادي، ويقول مستغرباً إن “هذه المنظمات أكثر من العمال، لكن لن يمثل العامل إلا من يعرف ظروفه”.

وحاول موقع “الخط الأحمر” التواصل مع الاتحادات العمالية الأخرى ونواب لجنة العمل النيابية، لكن دون جدوى، فلم يرد المعنيين على الاتصالات الكثيرة. 

يوجد في العراق نحو 10 اتحادات للعمال، وهو عدد يوصل العراق لموسوعة جينيتس للأرقام القياسية، ولكن مع هذا العدد فإن حقوق العمال مهدورة، واقتصاد البلاد مازال ريعيا معتمدا على النفط، متوقفا صناعيا، مستهلكا كبيرا يعتمد على الاستيراد.

“اتحادنا هو الرسمي الوحيد المعترف به من قبل منظمة العمل الدولية كما انه مؤسس منذ ثمانينيات القرن الماضي”، يقول رئيس اتحاد نقابات العمال في العراق ستار الدنبوس.

 “في العام 2018، وعندما كان محمد شياع السوداني وزيرا للعمل، صادق العراق على اتفاقية منظمة العمل الدولية، والتي أتاحت تأسيس اتحادات عديدة، وقد ذهبنا في حينها أنا والسوداني لجنيف، وجرى توقيع الاتفاقية بعد أن صادق عليها رئيس الجمهورية والبرلمان، هذه الاتفاقية هي ما أتاح حرية العمل النقابي وتأسيس اتحادات المهن المختلفة”، يسرد الدنبوس قصة ظهور هذه الاتحادات الكثيرة. 

ويهاجم الدنوبس هذه الاتحادات والقائمين عليها: “خرجوا من اتحادنا نتيجة لعقوبات قانونية، بعد ارتكابهم مخالفات عديدة، وبدأوا يجمعون أعضاء وشكلوا اتحادات، جل عملها هو جباية الأموال من المحال لمنافعهم الشخصية”.

هذه الاضطرابات أضاعت الخيط والعصفور على العامل، لمن يتجه وأين يشتكي؟ من يمثله، وكيف يستردّ حقوقه؟.

يقول الدنبوس “توجد محكمة العمل، هي المتخصصة بحل النزاعات بين العامل وصاحب العمل، وهناك طريقتان، الأولى في حال وجود عقد رسمي بين العامل وصاحب العمل فالقضاء يأخذ بهذا العقد، وفي حال عدم وجود عقد، على العامل المشتكي أن يجلب شاهدين من المؤسسة التي يعمل بها، ويشهدون أمام القاضي بأن هذا الشخص كان يعمل معهم، وهنا يأخذ القاضي بالشهادتين ويكمل القضية، وهذا الأمر كفله قانون العمل رقم 38 لسنة 2015”.

لكن متحدث الوزارة نجم العقابي، يصر على وصول الوزارة “الكثير من الشكاوى من قبل العاملين في القطاع الخاص، بشِأن ضياع حقوقهم، والوزارة لديها إجراءات بهذا الأمر”.

ويوصي العقابي “العامل المتضرر أن يتجه للوزارة، لدينا دوائر خاصة بالنظر بمشكلته، عبر تقديمه طلبا لها، ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لاسترداد حقوقه من صاحب العمل سواء كان شركة أو معملا أو أي شيء آخر، وكل هذا يتم وفقا للقانون”.

وعن الحد الأدنى للأجور، يعود الدنبوس، ليقول إن “الحدّ الأدنى حاليا هو 300 ألف دينار، وتمكنا من إضافة 50 ألفا ليصبح المجموع 350 ألفا، وخاصة في البلديات وغيرها”، كاشفا أن “هناك مؤسسات تبخس حق العامل وتمنحه أقل من الحد الأدنى الحالي، ونحن نراقب ونلاحق هؤلاء عبر فرق مشتركة مع وزارة العمل”.

ويؤكد طموح اتحاده لرفع الحد الأدنى إلى 500 ألف دينار، “لكن اتحاد الصناعات يعترض لأن المعامل معطلة والبلد معتمد على الاستيراد ويرى أن 500 ألف مبلغ مرتفع”، كما يقول.

هذه التناقضات، هي التي تمثل وضع العامل العراقي، وليس كل تلك الاتحادات والنقابات على ما يبدو، فما زال عبد الهادي يعمل بأجر متدنٍ وبظروف غير صحية، مهددا بالطرد التعسفي، ولا يعرف شيئاً عن عيد العمال!

وكانت وزارة التخطيط، أعلنت مطلع العام الحالي، أن نسبة البطالة في العراق بلغت 16.5 في المئة، بموجب المسح الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، من مجموع السكان النشطين اقتصادياً.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، شدد على ضرورة تطوير الصناعة العراقية، وأورد هذا الأمر في منهاجه الوزاري، لكن بالمقابل أتجه إلى فتح باب التعيين للوظائف الرسمية، وتركزت جميع التعيينات على الوظائف الإدارية، حتى ارتفعت قيمة رواتب الموظفين بنحو 50 بالمئة، وسط استمرار تعطيل المعامل الرسمية.