عقدان على التغيير : كيف هي أحوال دستور الدولة الجديدة ؟

  إن المتطلع لتاريخ الفعل السياسي في العراق والمنطقة العربية والشرق الاوسط عموما , يمكنه أن يجد أبرز تمظهرات الخراب السياسي من خلال اختبار علاقة الفعل السياسي بالوثيقة الدستورية المقرّة داخل النظام السياسي , وضع الدساتير في نظام سياسي ما , هو معيار حاسم لبلورة رؤية  واضحة للنظام السياسي هذا وذاك , هذا بالطبع مع الاخذ بالاعتبار ما تحتويه هذه الدساتير من مضامين وأفكار وكذلك ظروف تشريعها. 

عقلانية النص مقابل هوس القوة

   بالإمكان القول بثمة تماه بين فكرة الدولة الحديثة وفكرة الدستور , فالفكرتين متلازمتين لا يمكن الفكاك بينهما , تحدث الفلاسفة الغربيون عن وثيقة عليا للدولة تلزم الحاكم والمحكوم سواء , هذه الوثيقة لها أعلوية على القوانين الاخرى , وهي تنظم عملية الفصل بين السلطات التي تحكم الدولة وتعطي لكل سلطة حدودها فتلزمها بنفسها , محصلة هذا الفعل السياسي \القانوني هي الدولة الحديثة , هذه الفكرة التأسيسة النظرية\العملية للدستور ربما كانت غائبة عن وعي النخب السياسية التي حكمت هذه البلدان جميعها .

    الباحث المغربي عبدالله العروي في كتابه “مفهوم الدولة ” يقول : ان المرء يجد أن الدولة العربية المعاصرة مهووسة بالسلطة والقوة , وقد تكون في الواقع قوية في جسمها . غير أن عنف هذه الدولة هو في حقيقة الأمر مؤشر على ضعفها وهشاشتها : فقد يكون الجهاز القسري قويا, لكن الدولة بمجملها ضعيفة , لأنها تفتقر الى العقلانية , ولأنها تفتقر الى الدعم الاخلاقي والايلدوجي والتربوي ”  فالنص الدستوري بطبيعته السياسية والاجتماعية والثقافية هو المعادل الموضوعي  , والقوة هي المعادل الموضوعي لغياب المشروعية العقلانية التي يوفرها الدستور , كانت وما زالت القوة هي من تفرض ارادتها السياسية والاجتماعية والثقافية في الدولة العربية المعاصرة , وهذا يعني أن الدستور لا يحظى بأهمية سياسية أو اجتماعية , وأن أخر ما تفكر فيه السلطات التي تتوسل القوة كأداة لها هي العمل وفق دستور مكتوب يجعل الفعل السياسي عقلانيا بدرجة ما .

  العراق : دساتير على الرف  

  مع دخول الاحتلال البريطاني للعراق وتأسيس الدولة العراقية عام 1921م ولغاية عام 2003م  كان للعراق مجموعة من الدساتير:  دستور 1925م ” القانون الاساسي العراقي” وهو دستور الدولة الملكية , ودستور عام 1958 وهو دستور الجمهورية الاولى , ومن ثم دستور 1963م  ودستور 1964م , وتلاها دستور الحكم البعثي عام 1969م , كل هذه الدساتير وبصرف النظر عن محتواها لاقت مصيرا واحدا الا وهو عدم الاحترام  حسبما يقول الباحث العراقي البارز المهتم بقضايا الدستور يحيى الكبيسي, فكل هذه النصوص كانت تأخذ مكانا شكليا داخل هياكل الدولة أمام فعل القوة القسرية التي كان تتبعها الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق, فلا يمكن لأي نص دستوري كان أو غيره أن يقف بوجه ذات الحاكم المنتفخة و الشمولية , فهذه نكتة باهتة بكل تأكيد ولكنها تصلح كمقدمة لفهم  أحوال دستور بالعراق الجديد لعام 2005 م بعد عقدين من نمط الحكم الجديد في العراق بعد الاحتلال الامريكي وسقوط نظام صدام حسين عام 2003 .

فالقانون الاساسي العراقي وهو أو دستور للدولة العراقية بعد تشكّلها عام 1921م والذي تم وضعه في عام 1925م فكان هذا الدستور ابتداءً يمثل رغبة البريطانيين في اضفاء المشروعية على هياكل الدولة التي وضعتها , فهذا القانون هو نتاج لمعاهدة الصلح التي وقعت عام 1920م  والتي تعرف بوثيقة الانتداب والتي تتضمن المادة الاولى منه التزاما بريطانيا بوضع دستورا وطنيا للبلاد الا أنه بنفس الوقت تمثل وثيقة الانتداب هذه أعلوية حتى على هذا الدستور فلا شيء يمنع المنتدب أو يلزمه هنا , فوضع هذا الدستور كان شكليا هامشيا أمام سياسات البريطانيين , أما دساتير الفترة الجمهورية منذ عام 1958الى عام 2003 فكانت جميعها تشترك بنفس ظروف الانتاج : نصوص عائمة ومتناقضة يتم وضعها بعد أن يضع الرصاص أوزاره بفترة , وأحيانا يتم تناسي وضع دستور الا بعد مضي مدة معينة فما الحاجة الى دستور مادام القوة الشاملة وشعارات الثورة هي من تحكم؟ , فلا تحتاج هذه القوى أن تضع دساتير لتعبر عن رؤاها “وهذا طبعا بأسوء الاحوال” فالمشروعية الوحيدة هنا نابعة من ارادة القوة والبطش وحدها , أما ضرورة وضع دستور ما فهي نابعة من رغبة هذه القوى باضفاء طابع الاكتمال الشكلي على مشروعية هيمنتها امام المجتمع الدولي .

    دستور عام 2005 كيف كانت ظروف الانتاج ؟

  لم تكن ظروف تشريع دستور عام 2005 بعيدة عن مناخات ما سبقه من دساتير في هذه الدولة , فعلى ما يبدو لم تكن للقوى التي دخلت مع دخول الاحتلال الامريكي وسقوط نظام صدام أي رؤية ديمقراطية لبلورة دستور للمشروع الجديد. كان ضغط المرجع الشيعي الاكبر علي السيستاني واضحا من أجل كتابة دستور للدولة الجديدة , من خلال سلسلة من البيانات والرسائل والتصريحات , اذ أنه وفي مقابلة مع صحيفة لوس انجلس تايمز في منتصف عام 2003م  أوضح أنه “لا صلاحية لأي جهة في تعيين لجنة كتابة الدستور مالم يكن منتخبين من الشعب “. وكما وأنه قد ابدى تحفظه على قانون ادارة الدولة المؤقت كونه يضع عوائق امام انتاج دستور دائمي للعراق وجاء هذا في تصريح نقل عنه في بداية عام 2004م  وكذلك أكد المرجع الاعلى ذلك في رسالة بعثها الى مجلس الامن ن خلال مكتبه في 6 \حزيران\2004 جاء في مضمونها بأن أن هذا القانون وبما أنه وُضع من خلال لجنة غير منتخبة وأنه يستمر أي محاولة لأضفاء الشرعية عليه , وفي بيان أخر أوضح موقفه الرافض لهذا القانون كونه يكرس سلطة الامر الواقع ويمنع من الوصول الى دستور دائم تكتبه لجنة منتخبة . باحثً وصحفي عراقي متخصص في شؤون مرجعية النجف بين تصريح خاص لموقع الخط الأحمر بيّن اصرار  السيد السيستاني على وضع دستور دائمي وأن توضع لجنة منتخبة من العراقيين لكتابته , يقول: مما لا شك فيه ان المرجعية الدينية العليا سعت منذ اللظات الاولى لسقوط الديكتاتورية الى مساعدة العراقيين في اعادة بناء دولتهم وفق أسس متينة قانونيا، ومحافظة على هوية الشعب العراقي الحضارية والثقافية والاجتماعية والدينية, وقد واجهت صعوبات وعراقيل في سعيها الحثيث هذا، اذ انه كان معاكسا لرغبات سلطة الاحتلال الامريكي من جهة، ولدول كثيرة تتضرر لو سار العراق وفق ما تمنت المرجعية له، من خلق دولة مدنية تحقق الرفاه للمواطن، ومتقدمة قوية من جهة، وتحافظ وتحترم هوية الشعب العراقي الثقافية من جهة اخرى. وحسب رأيه فأن الضغط الذ مارسه المرجع الاكبر على الامريكان ومجلس الامن ومبعوثهم قد أفشل خطة الامريكان لاستمرار الوضع القائم ويضيف : فأفشلت ابتداء كل حجج الاحتلال بعدم امكانية اجراء انتخابات يتمخض عنها عراقيون منتخبون من الشعب، يكتبون دستورهم بأيدهم وعقولهم وفق هوية العراق الثقافية ومصالح العراقيين.

اذ كان مقررا ان تتأجل الانتخابات الى اكثر من ١٠ سنوات بعد الاحتلال، حيث يكون الحكم عسكريا امريكيا اختاروا لها حينه الجنرال جي گارنر، تليه حكومة امريكية مدنية، ثم دستور مكتوب امريكيا!!.

كل هذا تبخر بفعل خطاب وبيانات المرجعية، اذ حكم گارنر شهر واحد بدل ال ١٠ سنوات، والغي الحكم العسكري ، وتحول مدنيا اضطر معه پول بريمر ليحكم سنة واحدة، اجبرته بيانات المرجعية خاصة رسالة مجلس الامن الدولي المرفقة، على ان لا يعتمد قانون ادارة الدولة المؤقت الذي كتبه مكتب محاماة امريكي (!!!) كأساس للدستور العراقي الدائم.

وبهذا فشلت امريكا في اعتماد دستور لو كان قد اقر لتقسم العراق ٣ دويلات متناحرة الى امد لا يعلم مداه., ويبدو أن الجميع بما فيهم الامريكان قد رضخوا لتوصيات المرجع الاعلى .

من الواضح أن لا وجود لرؤية قوى المعارضة والتي تمثل النخبة السياسية من عملية صياغة الدستور .

حدد قانون ادارة الدولة المؤقت الذي وُضع بعد الاحتلال ودخل حيّز التنفيذ في يوم 31\ديسمبر\2003 في المادة  60 منه بأن تضطلع الجمعية الوطنية المنتخبة  بكتابة دستور دائم للعراق حسيث نصت ” على الحمعية الوطنية كتابة مسودة دستور دائم للعراق ” وحدد هذا القانون في المادة 61\أ منه على 15\اب\ 2005 كأقصى موعد لكتابة مسودة الدستور الدائم من قبل الجمعية المنتخبة . الباحث يحيى الكبيسي يشير في مقال له في صحيفة القدس العربي عن تلك الفترة يقول ” بعد عام 2003 قام النظام الجديد في العراق بإجراءات مختلفة من حيث الشكل وليس المحتوى , بدءا من عملية كتابة الدستور العراقي الدائم لعام 2005 والاستفتاء عليه فيما بعد , والمفارقة هنا أن عدم احترام الدستور و أنتهاك مواده استمر حتى مع نظام يفترض أنه ديمقراطي ” وحسب رصده  , لم تكن القوى الرئيسية الممثلة للمكون السني قد أشتركت في كتابة الدستور ” بعد أن قاطع هذه القوى انتخابات الجمعية الوطنية ” وبالتالي وفي انتهاك واضح لأحكام قانون ادارة الدولة حسب قوله , تم فرض شخصيات سنية غير منتخبة في لجنة كتابة الدستور الدائم , في انتهاك وتواطؤ واضحين بين القوى السياسية العراقية والامريكان , وهذا ما يجعله سببا لمرحلة أتسمت بانتهاكات دستورية متكررة ومنهجية حسب وجهة نظره .

  للعراقيين دستور جديد    

   استفتى العراقيون بتاريخ 15 اكتوبر 2005 على الدستور الجديد , بالرغم مما رافق ظروف كتابة مسودته من اشكاليات كثيرة وبالرغم ايضا من حجم التناقضات الواردة في المسودة الا أن العراقيون ذهبوا لصناديق الاقتراع للاستفتاء “بنعم” للدستور الجديد , وحسب مراقبون  فأن الموافقة الضمنية التي كانت تشيء بها بيانات السيد السيستاني كان لها الاثر الكبير بتمرير مسودة الدستور من قبل العراقيين . صار للعراق دستورا يعد شكليا مختلف عن حزمة الدساتير السابقة , ففي المادة الاولى من هذا الدستور تعرف الدولة نفسها بوصفها دولة اتحادية مستقلة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي .

 ويصنف هذا الدستور من جانب امكانية تعديله بوصفه دستورا جامدا أي يضع شروطا صعبة لتعديله , وفق مختصون فأن جمود هذا الدستور يشيء بغاية سياسية , الناشطة الحقوقية العراقية رشا رضا حميد تعلق للخط الاحمر عن هذا الوصف تقول : يصنف الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ على أنه دستورا جامدا ، يتطلب إجراءات معقدة لتعديله ،تختلف عن إجراءات تعديل التشريع العادي. وهذه الصفة تتفق مع مبدأ ( اعلوية) أو سمو الدستور ، وهي ميزة تحفظ لنصوص الدستور ثباتها واستقرارها كونها قواعد تؤسس لفكرة القانون في الدولة ، وتحدد الفلسفة السياسية والاجتماعية لنظامها ، وهي الإطار المرجعي لكل أوجه النشاط القانوني في الدولة. لذا كثرة التعديل لسهولته كما في الدساتير المرنة يفقد هذه القواعد خصوصيتها ويربك عمل مؤسسات الدولة ويهدد حقوق الإنسان وحرياته ووجود الدولة بالاعتبار الأول. لكن تغير شكل الدولة ونظامها بعد عام ٢٠٠٣ من دولة بسيطة تعتمد المركزية في الإدارة إلى دولة اتحادية ( فيدرالية)  تتبع النظام اللامركزي تعد تجربة نوعية يمر بها العراق لأول مرة منذ تأسيس الدولة ، وهذه التجربة تستدعي مرونة نوعاً ما في إجراءات التعديل بما يتفق وطبيعة النظام الفيدرالي خاصة فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والاقليم واستغلال الثروات النفطية وتوزيع العائدات.. إلخ.

والمستقرأ لآلية التعديل المنصوص عليها في المواد ( ١٢٦،١٤٢) يجد أن الإشكالية في تعديل الدستور هي إشكالية سياسية اكثر منها إشكالية دستورية ، فالصعوبة تكمن في إيجاد إتفاق سياسي جدي لتعديل الدستور أكثر من كونه تعقيداً قانونيا .

  محكمة لأدارة الدستور 

   الدستور بوصفه وثيقة تعبر عن هوية الدولة ويرسم مسارا واضحا لاليات الحكم وللحقوق والحريات والفصل بين السلطات كاجراء ديمقراطي لا بد من وجود سلطة مستقلة لتفسيره وفق ما يصرح به النص من قصدية مضمرة للمشرع وكذلك وفق المبادئ العامة الديمقراطية التي بُني عليها هذا الدستور , فلابد من محكمة دستورية اتحادية للحفاظ على مبادئ الدستور من الانتهاك بما أننا بدولة ديمقراطية يفترض فيها مبدأ الفصل بين السلطات مبدئا مقدسا .

  تأسست المحكمة الاتحادية في العراق ولأول مرة عام 2005 وفق القانون رقم 30 لسنة 2005 , حددت المادة الرابعة منه على صلاحية هذه المحكمة بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والانظمة والتعليمات والاوامر , وكذلك نظم هذا القانون اليات تعيين رئيس واعضاء هذه المحكمة وغيرها من الاختصاصات والصلاحيات .

ولكون أن الفعل السياسي في العراق نتاج لحالة التواطؤ والتوافق على حساب الدستور فأن هذه المحكمة كان وما زال وضعها غير مفهوم من الناحية من القانونية , وفي ذلك تضيف رشا حميد : لكي يتم تقييم دور المحكمة الإتحادية برفع التعارض بين التشريعات التي ذكرت والدستور ينبغي أولا المرور على آلية تكوين هذه المؤسسة الرقيبة على دستورية القوانين ، فالمحكمة إلى الآن تعمل وفق الأمر ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ المنصوص عليه في قانون إدارة الدولة الملغى ولم يشرع قانونها إلى الآن وهذه أول انتهاك وهدر لقيمة الدستور. ويلاحظ أن الكثير من القضايا التي تتعلق بطبيعة النظام الديموقراطي كانت آراء المحكمة لا تتلائم وطبيعة النظام الجديد بل إنها جنحت في كثير من الأحيان إلى ما يخالفه دعماً للقوى المسيطرة والأحزاب الحاكمة فصادرت أصوات الناخبين بتفسيرها عبارة ” الكتلة الأكبر” وعطلت تشكيل الحكومة بأكبر انتهاك صارخ للدستور بفتواها الثلث المعطل ، كذلك لم تكن حاسمة في الكثير من القرارات في القضايا المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقليم. لم تستطع حسم التعارض بين الدستور والتشريعات العادية النافذة قبل ٢٠٠٣ والمشرعة بعدها ، بل تنظر في القضايا التي يمكن الطعن بها ولا تجعلها بمواجهة مع السلطة. وهذا يجعلها _ مستقبلاً _أمام إختبار حقيقي وطويل أمام التشريعات التي تخالف فلسفة النظام الجديد في العراق. هذا العجز الوظيفي لا يتعلق بالمحكمة الاتحادية فقط إنما هو نتيجة طبيعية لنظام سياسي قائم على فلسفة غير موجودة ، وتشريعات متقاطعة وسمته الواضحة غياب مؤسساته ، وأحزاب مهيمنة لا تهتم كثيراً للتشريعات التي تتعارض مع الدستور خاصة إذا تعلقت بالحقوق والحريات. 

    تناقضات بفعل التناقض

يعتبر هذا الدستور أن الاسلام هو الدين الرسمي للدولة ويمنع أن يُسن أي قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية , وبنفس الوقت يدعم هذا الدستور التشريعات الديمقراطية وحقوق الافراد وحرية التعبير والصحافة , وفق مراقبون ومختصون في هذا الشأن , فأن هذا يعد تضاربا كبيرا , فوفق أي معيار سيتم تشريع وتفسير التشريعات التي يجب أن لا تتضارب مع الدستور , فمن الناحية الديمقراطية لا يمكن أن تمس حقوق الافراد المختلفين في العقيدة , ومن الناحية الاخرى أن أي تشريع عليه أن لا يتعارض مع الشريعة الاسلامية . ومن خلال الممارسة العملية للفعل السياسي يلاحظ هذا التواطؤ في عملية ادارة الدولة , فالكثير من التفسيرات التي انتجتها المحكمة الاتحادية كانت متناقضة ليس قيم كثيرة يفرضها الدستور , وكذلك وضع النخب السياسية , فالدستور الذي يحكم عملية الانتقال السلمي للسلطة ليس له وجود , فمع أي انتخابات جديدة يتم انتهاك الدستور بشكل واضح ليدخل البلد في فراغ دستوري خطير ,  تستغل بذلك القوى السياسية عدم وجود جزاءات يفرضها الدستور على فعل انتهاكه , وبذلك اتاح النص نفسه لهذا القوى أن تتفق على انتهاك الدستور ومع تشكيل كل حكومة من الحكومات التي تعاقبت بعد عام 2003 , فحسب الناشطة رشا رضا “فأن  كل الحكومات التي تشكلت بعد ٢٠٠٣ وقعت في مأزق خرق التوقيتات الدستورية ومع ذلك لا نرى توجها حقيقيا لمعالجة هذا النقص التشريعي. ويلاحظ أن طول مدة الفراغ الدستوري الذي يعيشه البلد يتناسب طردياً مع شدة صراع الكتل بعد الانتخابات لتقاسم المناصب الحكومية. السخط الشعبي الذي يرافق الانتخابات ونتائجها المخيبة بسبب التزوير والتصفية ، عوامل دفعت الأحزاب المسيطرة في البرلمان إلى استغلال هذه الثغرة القانونية _ عدم وجود جزاءات لخرق المدد الدستورية _ بطريقة ممنهجة،  عدم المقبولية التي تحظى بها هذه الطبقة السياسية يناسبها أكثر أن تبقى المدد مفتوحة لتمارس كل أساليبها في الضغط للحصول على مكاسب. وهذا نهجها كما يبدو!

  وتضيف :ففي كل إنتخابات يدخل البلد في دوامة من الصراعات والأزمات لتنتهي هذه العملية بتوافقات وتوزيع للمناصب الحكومية. لذلك تدرك جيداً هذه الطبقة أن معالجة هذا النقص التشريعي سيضعها في موقف حرج يفقدها مكتسباتها _ التي استحصلتها بصعوبة _ والدليل أن رئيس مجلس القضاء الأعلى اقتراح جزاء خرق المدد الدستورية من قبل البرلمان هو حل هذه المؤسسة بدون اشتراط موافقتها كحل ونوع من التوازن بين السلطات.

   كعادة السلطات التي تعاقبت على حكم هذه البلاد , أخذت القوى السياسية هذا الدستور بعدما صار ساريا ووضعته في مخيالها الخاص , ولكون أن هذا الدستور شكليا يختلف عن سابقاته لكونه جاء على دولة ديمقراطية يكون هو فيه الحاكم الاعلى للفعل السياسي والتشريعي , فأن هذه القوى وعلى اختلاف مشاربها كانت تتبع سياقا مختلفا في التعامل مع الدستور , اذ أنها كانت تمارس انتهازية من نوع مختلف مع الدستور , فهذه القوى مثلا تتوافق على ضرب الدستور وانتهاكه ونسيانه ساعة , ومن ثم تعود اليه بعد أن تستقر امور تقاسم المغانم بين الفرقاء ليضفي لها مشروعية شكلية لما فعلت , فكانت وما زالت ارادة هذه القوى أعلى من الدستور , وهنا يثار سؤالنا الازلي ازاء هذه الدولة , ثمة نسبة من العقلانية حكمت فعلنا السياسي , أن الحاكم الوحيد للفعل للسياسي في هذه البلاد هي القوة , قوة المكون وسلاحه ومدى تأثيره .

VIAساطع عمار