إهمال حكومي وفساد إجتماعي، شكلا في النتيجة هدر كبير للمال العام وخاصة في رواتب الرعاية الاجتماعية، حيث تضم شبكة الحماية المرتبطة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ملايين المستفيدين إضافة إلى نحو مليوني مستفيد سيضافون قريبا، لكن هذا يتزامن مع الكشف عن وجود موظفين وأصحاب أعمال حرة يتقاضون رواتب “الرعاية” دون وجود إمكانية لكشف هذا الخرق نظرا لإنعدام نظام تقاطع المعلومات بين الجهات الرسمية.   

ويعد نظام تقاطع المعلومات، أو التوجه للحوكمة الالكترونية، من أبرز الأنظمة الحديثة لإدارة الدولة، لكن هذا الملف يجري الحديث عنه منذ سنوات عديدة في العراق ولم يبدأ تطبيقه لغاية الآن، كسائر المشاريع المعطلة في البلد بسبب الفساد والإهمال، لكن وزارة التخطيط بدأت منذ عامين بتنفيذ الرقم الوظيفي لموظفي الدولة، وهو الآخر لم ينجز لغاية الآن. 

المدير العام لدائرة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ذكرى عبد الرحيم، قالت لموقع “الخط الأحمر”، إن “التجاوزات من قبل غير المستحقين لرواتب الرعاية مستمرة ولم تتوقف، وستبقى مستمرة لعدم وجود ربط شبكي بين الوزارات ودوائر الدولة ولعدم إكمال الرقم الوطني (البطاقة الموحدة) لجميع العراقيين، وكذلك لعدم وجود إحصاء دقيق للعاملين في القطاع الخاص”.

وأضافت أن “الكثيرين ممن يعملون ضمن القطاع الخاص كاعمال الحدادة والتجارة والعاملين في البناء وغيرها من المهن، يستلمون رواتب الرعاية الاجتماعية لأن وزارة التخطيط لا تملك احصائية عن العاملين في القطاع الخاص او سوق العمل، ولا يوجد للعاملين في القطاع الخاص تقاعد وضمان، وهذه لو وجدت لساهمت بسهولة الكشف عن المتجاوزين”.

وبينت أن “دائرة الرعاية الاجتماعية تعمل على تتبع ومقاطعة الاسماء المشمولة بالرعاية الاجتماعية ولكن عملية التقاطع ليست بالمستوى المطلوب، لأن بيانات الوزارات تختلف بين وزارة واخرى، وعلى سبيل المثال عندما نريد مقاطعة اسم مستفيد مع وزارة التربية نلاحظ وجود تشابه لأسماء، لان الاسماء هي اسم الشخص وسنة تولده او اسمه مع اسم والدته فقط بدون بيانات اخرى، وهذه تضعف عملية التقاطع وتصعب كشفها لكونها تظهر لنا آلاف الاسماء الذين يحملون ذات الاسم، ولكن لو كانت هناك بيانات متماثلة في كافة الوزارات سوف تظهر التجاوزات بكل سهولة”.

وأكدت أن “دائرة الحماية الاجتماعية ورغم تلك الصعوبات ما تزال تكتشف العديد من التجاوزات ويتم استبعادهم، ومن يكتشف بأنه غير مستحق يتم استرداد الاموال التي استلمها خلال فترة التجاوز وفقاً للقانون”.

يذكر أن هيئة الحماية الاجتماعية في بابل، أعلنت العام الحالي عن إستعادة ما يقرب من مليار دينار من المتجاوزين على رواتب الرعاية الاجتماعية، ووفقا لما صرحت به الهيئة فأن المتجاوزين منهم من تم تعيينهم ولم يبلغ بقرار تعيينه واستمر بتسلم راتبين، ومنهم من يملكون سيارات فوق موديل 2011، ما يعد مخالفة وتعارضاً مع خط الفقر.

كما أكدت الهيئة امتلاكها صلاحيات لحجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتجاوزين لحين تسديد ما بذمتهم.

وكان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أعلنت في العام 2020 عن إيقاف مزدوجي الرواتب ضمن الحماية الاجتماعية ويتقاضون راتبا آخر في نفس الوقت والبالغ عددهم 6814، كما أوقفت رواتب 1578 ممن يتقاضون راتبا من هيئة ذوي الاحتياجات الخاصة. 

وحول هذا الأمر، يؤكد عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية حسين عرب، في حديث لموقع “الخط الأحمر” أن “التجاوز على شبكة الرعاية الاجتماعية من قبل غير المستحقين يحرم الكثير من المستحقين لها بشكل فعلي من هذه الرواتب، والحل لهذه القضية هو الحوكمة الالكترونية، فهي ستسهم بإنهاء هذه الظاهرة”.

ويوضح عرب أن “البيانات إن كانت دقيقة ومترابطة بين كافة وزارات ودوائر الدولة، فسوف تصعب كثيراً عملية التجاوز على شبكة الرعاية الاجتماعية، وسيتم كشف من كان يمتلك عمل او راتب من قبل الدولة او ضمن القطاع الخاص”، مبيناً أن “دعم وإلزام اصحاب الاعمال ضمن القطاع الخاص بالضمان الاجتماعي وشمولهم برواتب التقاعد ايضاً سوف يكون جزءا أساسيا من حل تلك المشكلة، حيث ان بيانات كافة العاملين ضمن القطاع الخاص سوف تكون مسجلة لدى جهة واحدة ويسهل عملية الكشف عنها في حال تقديمهم للشمول برواتب الرعاية”.  

يذكر أن العراق أعلن التوجه نحو العمل بالحوكمة الإلكترونية، في عام 2014، وفي مطلع العام الحالي، أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إنجاز المرحلة الأولى من المشروع، الذي تضمن ربط وإدارة الوثائق الرسمية، وتم تقديم أكثر من 85 خدمة خاصة بإنجاز المعاملات، وتم تطبيق نظام صحة الصدور بين كتاب العدول للتسجيل العقاري، حسب الأمانة العامة.

يشار إلى أن المشروع الذي أطلق عليه أسم “حكومة المواطن الإلكترونية”، من المفترض أن يجري بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، لكنه تعثر مرات عدة ولم يكتمل.

وخلال فترة حكومة عادل عبد المهدي السابقة، تم تعطيل عمل اللجان العاملة على المشروع ضمن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، دون معرفة الأسباب.

لجنة الاتصالات النيابية، ووفقا للعضو فيها النائب أسوان سالم فأن “العمل على نظام الحوكمة الالكترونية مستمر من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء”.

ويؤكد سالم في حديثه لموقع “الخط الأحمر”، أنه “نعلم بأن عملية الانتقال للنظام الالكتروني ليست بالسهلة وتحتاج الى وقت، ومع ذلك ندعوا الى تسريع الخطوات بهدف اكمال ذلك المشروع”، مبينا أن “نظام الحوكمة الالكترونية سوف يحل الكثير من المشاكل في العراق وعلى مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية وغيرها وسوف يسهل كشف عمليات التزوير او التلاعب في الوثائق الرسمية ويتم كشف ع المتجاوزين على رواتب الرعاية الاجتماعية او يستلمون اكثر من رواتب من قبل الدولة”.

يذكر أن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، بدأت تدرس أكثر من مليوني طلب جديد، لشمول أصحابها برواتب الرعاية الاجتماعية، فضلا عن منحها مخصصات 30 بالمائة للباحثين وموظفي هيئة الرعاية، نظرا لجهودهم بدراسة الملفات وخروجهم بالكشف الموقعي لمقدميها. 

اقتصاديا، فأن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، وخلال حديث لموقع “الخط الأحمر” يبين أن “العراق يعيش تخبطا كبيرا جداً بسبب غياب التعداد العام للسكان والذي نطالب به منه سنوات طويلة، حيث ان جميع الارقام في البلاد هي ارقام تقديرية بما يخص نسبة الفقر والبطالة والرعاية الاجتماعية بل وحتى موظفي دولة ارقامهم تقديرية.

ويشير المشهداني إلى أن “وزير المالية السابق وكذلك وزير التخطيط السابق أكدوا بانهم لا يعرفون الرقم الحقيقي والدقيق لاعداد الموظفين، والحكومة تعمل منذ اكثر من سنتين على الرقم الوظيفي والى غاية هذا اليوم لم ينجز، ولهذا السبب نجد ان الكثيرين وقد يكونوا الغالبية من المتجاوزين على رواتب الرعاية الاجتماعية هم من الموظفين، وهذه المسألة سوف تحل من خلال الاحصاء السكاني والاتجاه نحو الحكومة الالكترونية”.

ويضرب المشهداني مثلا، حيث يقول “أتذكر انه في احدى المرات التي دققوا فيها اسماء مستحقي رواتب الرعاية بمحافظة صلاح الدين، فأنهم وجدوا اكثر من 300 موظف في الدولة بينهم معلمين ومدرسين يستلمون رواتب رعاية اجتماعية، وكذلك وجدوا ابناء واقارب اعضاء مجلس المحافظة ايضاً يأخذون رواتب رعاية اجتماعية، رغم ان بعضهم مسجلين كعناصر حماية لأعضاء المجلس”.

VIAالخط الأحمر