الفقر والجوع.. دفع بآلاف العراقيين إلى الانضمام للحشد والقتال ضد داعش 

’’ الحشد الشعبي جزء من منظومة عقائدية تشكلت لمواجهة تنظيم داعش بعد سيطرته على مدن عراقية، وكان جزءاً من مرحلة مهمة وخطرة في تاريخ العراق، سياسيا وأمنيا، ويجمع بين غالبية مكوناته الانتماء الشيعي، وان هيئة الحشد الشعبي تضم أكثر من 70 مليشيا مسلحة، بمجموع مسلحين يبلغ وفقاً لأرقام رسمية في موازنة العراق المالية لعام 2021، نحو 115 ألف عنصر، وبمعدل بين 3 إلى 15 ألف عنصر لكل مليشيا’’

حزيران 2014، حيث كان نوري المالكي رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة، استحوذ تنظيم الدولة الإسلامية ما يعرف بداعش على الموصل وثلث العراق. بعد مرور عامين ونصف فقط على خروج الجيش الأمريكي من البلاد، انهارت معنويات الأجهزة الأمنية الماسكة للأرض، وانسحابها بعد ذلك في ظروف غامضة فلم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن ذلك في وقت كانت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة اثر انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية وتراجع المستوى المعيشي للعائلات العراقية بشكل لافت. 

غياب الرؤية الاقتصادية

ان اسباب التدهور الاقتصادي يعود لعدم وجود خطط حكومية واضحة وحقيقية لإدارة اقتصاد البلد. وبين الخبير في الشؤون المالية والنقدية الدكتور احمد صبيح انه لو كان لدينا نظام اقتصادي صحيح لقمنا باستغلال مواردنا بعد عام ألفين وثلاثة وأسسنا لمشاريع كبرى تستوعب كل العاطلين عن العمل ولكن “ليس لدينا ايادٍ نظيفة حاولت ان تقوم بذلك”.

كما أن هذه الظروف دفعت بالعديد من إفراد هذه العائلات الى العمل بمختلف المجالات غير المدنية، مؤكداً صبيح ان قسم كبير منهم توجه فعلاً للعمل في الجيش والمليشيات المسلحة “بعيداً عن الدافع العقائدي فقط من اجل توفير لقمة العيش”. وان العمل الحكومي بات مهماً في العراق، وذلك بعد توقف الأنشطة الزراعية والصناعية وشيوع البطالة وزيادة عدد السكان .

عجزت الحكومات المتعاقبة عن تطوير مختلف المجالات بل أسهمت سياساتها الخاطئة في التعامل مع معظم الملفات لاسيما الملف الاقتصادي في زيادة أوضاع البلاد سوءا

وفي 13 حزيران 2014، اصدر المرجع الشيعي علي السيستاني فتوى “الجهاد الكفائي” التي تعني بحسب معتمد السيستاني “عبد المهدي الكربلائي” الذي قرأها في خطبة الجمعة امام المصلين في ضريح الإمام الحسين في مدينة كربلاء آنذاك “أن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية”.

 أعقب هذا الإعلان الرسمي عن تأسيس وحدات الحشد الشعبي لإضفاء الطابع المؤسساتي للتعبئة الشعبية، والذي شكل فرصة لإعداد كبيرة من العراقيين العاطلين عن العمل لاسيما من خريجي الجامعات والمعاهد العراقية للانخراط في هذه القوات من اجل مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي يمرون بها.

 عبد الستار حمد (30عام) من سكان محافظة بابل الواقعة جنوب غرب العاصمة بغداد، كان يعمل سائق تاكسي، لكن عمله هذا لا يكفي لسد احتياجات منزله وعائلته المكونة من خمسة افراد، تطوع بالحشد الشعبي ليحصل على منحة شهرية غير ثابتة قدرها 650 الف دينار عراقي أي ما يقارب 400 دولار امريكي، يقول حمد بعد الاعلان عن تحول الحشد الشعبي الى مؤسسة رسمية منضوية تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة ومشمولة بخزينة الدولة، دفعني للاستمرار بالعمل بها منوهاً “انضممت لهذه القوات بعد وساطات وموافقة فصيل حزب الله العراق”، لكن اشترطوا عليه القتال في سوريا واليمن براتب قدره مليون ومائة آلف دينار، وقال  “سأتوجه قريباً إلى مدينة البو كمال السورية للقتال إلى جانب الفصائل المسلحة هناك”.

ذات الظروف دفعت بالمواطن علاء الساعدي من سكان مدينة البصرة اقصى جنوبي البلاد إلى الانضمام لهذه القوات بعد تدهور وضع عائلته الاقتصادي وعدم حصوله على فرصة عمل حكومية أو أهلية، حيث انتمى إلى الحشد الشعبي عام آلفين وخمسة عشر، يقول “لم تكن في نيتي ذلك ولم يخطر في بالي أن أخوض المعارك واقتل أشخاصاً آخرين”.

 وكان الحشد تشكل في البداية من المليشيات الشيعية المسلحة، كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء ومنظمة بدر والتيار الصدري  ثم انظم اليه لاحقاً عشرات الالاف من  الطائفة الشيعية  بعد فتوى “الجهاد الكفائي” وعدد من العشائر السنية من المناطق التي سيطرت عليها داعش في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وآلاف أخرى من مختلف الأديان والقوميات كالمسيحيين والتركمان والكورد.

أجور القتال في سوريا

’’التحق عشرات الالاف من المواطنين بالحشد الشعبي بعد فتوى المرجع الشيعي السيستاني ونسبة كبيرة منهم من اجل تحسين وضعهم المعيشي وليس بدافع عقائدي او مذهبي’’

تراجع الوضع الاقتصادي اجبر أيضاً المواطن نصير علي (28 عام) من سكان محافظة واسط الواقعة وسط البلاد إلى الانضمام إلى فصيل عصائب أهل الحق، الذي ينتشر مقاتليه في سوريا والعراق، بعد أن فقد عمله في مهنة النجارة مع القوات الأمريكية، وذلك بعد انسحابها من العراق سنة 2011 واصبح وضعه المالي صعب جداً، يقول “انضممت إلى عصائب أهل الحق، وقاتلت معهم في عدة مناطق كانت تحت سيطر التنظيم الإرهابي في منطقة جرف الصخر وديالى” وكان حينها يحصل على 650 ألف دينار عراقي، ثم انتقل للقتال في سوريا وأصبح يحصل على أكثر من مليون دينار عراقي.  

هذا وغالباً ما تؤكد الجهات الحكومية والحزبية في العراق أنها تعمل على ضمان حقوق المتطوعين في الحشد الشعبي، بيد أن الكثير منهم مازالوا يواجهون صعوبة في الحصول على حقوقهم لاسيما الجرحى وعائلات ضحايا الحشد الذي اتهم في أكثر من مرة بانتهاكات لحقوق الإنسان في المناطق التي يقاتل فيها، لكن هذه التأكيدات تنفيها المواطنة حياة مطلك وهي امرأة خمسينية من شمال محافظة ذي قار جنوبي البلاد، مؤكدةً ان تطوع زوجها في الحشد الشعبي جعل حياة العائلة تنتعش رويداً رويدا من الرواتب والمكافآت التي كان يحصل عليها، تقول “تفاجأت في يوم ثلاثاء اسود بوصوله إلى منزلنا ملفوفاً بالعلم العراقي حيث قتل في المعارك مع داعش وفقد حياته من اجل لقمة العيش لا أكثر”.

وبحسب القيادي في كتائب حزب الله العراقي أبو محمد الدلفي اكد ان عدد المقاتلين الملتحقين بالحشد الشعبي “مائة وثلاثون ألف، ثلاثين بالمائة منهم من اجل الرواتب وتحسين وضعهم الاقتصادي وليس لدواع عقائدية أو مذهبية”

اصابع ايرانية

’’استغل الحرس الثوري هذه الفتوى واخترقتها وتمكن من تجنيد آلاف الفقراء والمسحوقين وشكل من خلالهم فصائل لدعم مشروعه في العراق’’

استغلال الحاجة المالية في جذب الشباب للتطوع في الفصائل المسلحة كان كبير من قبل الحرس الثوري الإيراني وأتباعه في العراق. المحلل السياسي رعد هاشم قال أن الاستجابة من قبل العراقيين لفتوى المرجعية “كان بدافع الولاء للوطن ومقاتلة الإرهابيين من داعش، لكن الإيرانيين استغلوا هذه الفتوى في تجنيد الشباب لصالحهم”.

وأوضح هاشم أن الإيرانيين قدموا دعماً مالياً كبيراً لهذا المشروع مستغلين بيع الأسلحة للعراق أثناء فترة قتال التنظيم المتشدد حيث “دفعوا اموالاً كبيرة لقادة المليشيات التابعة لها ليلعبوا دوراً في تجنيد الشباب الذين دفعتهم ظروفهم القاسية للانضمام لهم من اجل المال”.

ويعد التدخل الإيراني في العراق واضحاً من رؤساء الأحزاب وقادة المليشيات الشيعية المعروفة بولائها لإيران والتي كانت تقيم هناك على مدى سنين طويلة إبان حكم النظام العراقي السابق.

مسؤول بارز في الحشد الشعبي رفض الكشف عن هويته ألقى باللائمة على الحكومة الأمريكية في بروز طبقة سياسية تسببت في تدهور الوضع العام في العراق وتجنب الحديث عن دور إيران بهذا الإطار. منوهاً الى ان الحاكم المدني الأمريكي “بول بريمر” هو من اوجد هذه الطبقة السياسية التي تسببت في تدهور الأوضاع العامة في البلاد، قائلاً ” اننا ألان نعمل من اجل تحسينها”.

’’استغلت ايران انهيار نظام صدام حسين وانشغال أمريكا في قتال القاعدة والمليشيات الشيعية، لتتغلغل في العراق  وإضعافه اقتصادياً من اجل جعله سوقاً لها’’  

ويرى أستاذ الدراسات الاستراتيجية والموظف سابق في وزارة الدفاع الأمريكية “ديفيد ديروش” أن إيران عملت بشكل فعّال في استغلال أوضاع العراق بعد سقوط نظام صدام وتمكنت من التغلغل فيه وإضعافه اقتصادياً.

مشيراً إلى أن تدهور الوضع الاقتصادي في العراق استغل بعد ذلك من ايران ايضاً في دفع الشباب إلى العمل من اجلها في سبيل المال.

لافتا إلى أن إيران دأبت منذ مجيء الخميني الى السلطة على المليشيات للتغلغل في الشرق الأوسط وأنها تستغل الفقر والفاقة لاستغلال الفقراء لاسيما الشباب في تحقيق أهدافها.

يذكر أن قوات الحشد الشعبي تضم سبعة وستين فصيلاً مسلحاً تشكلت بعد فتوى المرجعية الشيعية في العراق منتصف عام آلفين وأربعة عشر  وهي منتشرة في عموم البلاد وتقوم بواجبات أمنية مختلفة.