الجفاف جنوبي العراق يدفع المزارعين الى ترك مهنتهم المتوارثة بحثاً عن بديل

في محافظة ذي قار جنوبي العراق دفع جفاف الأنهر الى اعتزال المزارع صادق مزهر هذا العام عن زراعة محصول الشلب الذي كان موسمه حافلاً في كل عام.

الرجل الستيني يحكي سنوات تعلم فيها مهنة الزارعة التي توارثها عن آبائه واجداده فلم يترك ارضه رغم الظروف المناخية التي مرت عليه في السنوات الماضية، الا ان السنتين الماضيتين كانت الأكثر قساوة وشدة عليه، رغم تطويره للجانب التقني باستخدام الأدوات الحديثة في السقي بالمضخات وانشاء مجرشة خاصة بالشلب “الرز” بعد التنسيق مع منظمة فاو للأغذية العالمية.

مساحة ارضه قرابة 7 دونم يزرع منها ما يقارب 5 دونم سنوياً بسبب الخطة الزراعية المقررة له فلا يمكن تجاوزها بفعل كميات المياه المحددة الا ان الشحة المائية للموسم الزراعي للعام الحالي 2022-2023 منعت زراعة الشلب في ذي قار تحديداً فلا حصة مائية كافية لهذا المحصول.

مشكلة الجفاف لم تكن محددة على زراعة محصول الشلب في ذي قار، بل تسبب بتقليص حصة المحافظة في زراعة المحاصيل الاستراتيجية  والمهمة التي  لها اثر كبير على غذاء المواطن وهي القمح، بعد ان سجلت المحافظة في غضون السنوات الماضية قدرتها على الاكتفاء الذاتي لتجهيز الطحين على مدار عام كامل، أصبحت اليوم غير قادرة على الاكتفاء لشهرين او اكثر من حصتها السنوية.

محافظة ذي قار الواقعة جنوب العاصمة بغداد بـ350 كيلو متر تبلغ مساحة ارضها الاجمالية 5160000 دونم فمنها 2,530,879 دونم صالح للزراعة، وتتحكم بهذه المساحة الحصص المائية السنوية التي تقرها اللجنة المشتركة ما بين وزارتي الزراعة والموارد المائية.

زراعة ذي قار، تقدم سنوياً اقتراح خطة زراعية الى اللجنة المركزية ببغداد، وتتراوح الخطة المقترحة ما بين 400 الى 500 الف دونم وهذا الرقم القليل المقترح للخطة الزراعية يعود لأسباب تتعلق بالحصص المائية وقدرة على الفلاح على استزراع جزء من ارضه، فالعديد من المزارعين يمتلكون ارض واسعة الا انهم غير قادرين على استزراعها بالكامل لأسباب مالية او الحصص المائية هي الفيصل الأساسي المتحكم بالمساحات التي يتم زراعتها.

مدير زراعة ذي قار الدكتور صالح هادي موضحاً للخط الاحمر ان “اللجنة المركزية عادة ما توافق على نصف الخطة الزراعية المقترحة”، قائلاً  “ان الخطة الزراعية التي ينطلق تنفيذها في منتصف تشرين الثاني من كل عام تقلصت بنسبة 50% للموسم الزراعي 2021 عن الموسم الذي سبقه من العام الماضي، اذ جاءت الموافقة على زراعة 219063 الف دونم منها 183428 دونم لزراعة محصول الحنطة والمتبقي للشعير والخضروات”.

وسرعان ما تقلصت الخطة من جديد للعام 2022 اشار هادي الى انه “تمت الموافقة في بادئ الامر على زراعة 133 الف دونم منها 121 الف دونم لمحصول الحنطة ولكن هطول الامطار خلال تشرين الثاني وكانون الأول أسهمت في رفع الخطة الى 222 الف دونم” .

ويكمل هادي حديثه موضحاً ان “الدونم الواحد الذي يتم زراعته يتراوح انتاجه ما بين 900 كيلو غرام الى 1250 كيلو وهذه كمية الإنتاج ضمن الأراضي التي يتم زراعتها ضمن حوض مائي شمال المحافظة تسمى حوض نهر الغراف لانخفاض نسبة الاملاح فيها، فيما تكون كمية الدونم الواحد المنتج في مناطق جنوب المحافظة والتي تسقى من حوض الفرات باعتباره اكثر ملوحة تتراوح ما بين 800 كيلو غرام الى 1000 كيلو غرام”.

وقد سجلت ذي قار نسب تصاعدية في الاكتفاء الذاتي السنوي لمحصول الحنطة منذ عام 2019 اذ بلغت نسب التسويق 173 الف طن والذي يكفي لسبعة اشهر ومن ثم ارتفع الاكتفاء الذاتي في عام 2021 بمحصول 249 الف طن والذي يكفي لسد مادة الطحين لعام كامل الا انه سرعان ما انخفض في عام 2022 الى 67 الف طن.

مسؤول منظمة  طبيعة العراق لشؤون الاهوار جاسم الاسدي حذر من التغييرات المناخية التي القت بظلالها بشكل كبير على الواقع المائي، وسببت شحة مائية واسعة مما أودت الى جفاف المسطحات المائية، وفي مقدمتها جفاف الاهوار، والذي يعد واحد من أكبر المسطحات المائية الطبيعية في العالم، موضحاً ان “المساحات المغمورة بالمياه كانت 5560 كيلو متر مربع ولكن بعد تعرضها للجفاف بلغت نسب الجفاف حتى الان 92% أي ان 5120 كيلو متر جفت”.

الأمم المتحدة في حزيران الماضي كشفت في بيان لها ان العراق يواجه تحديات متعددة ومتفاقمة بسبب التغيرات المناخية وفي مقدمته موجات الحر الطويلة وانخفاض معدل هطول الأمطار، ونقص وفقدان الأراضي الخصبة، وملوحة التربة، وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية، ونقص المياه العابرة للحدود، وانتشار العواصف الترابية موجهة دعوة للعمل و الى اتخاذ اجراءات لحماية البلد من الآثار المدمرة.

وأشار البيان بان العراق واحد من بين الدول الخمسة الاولى الاكثر تضرراً من التغييرات المناخية وهو في المرتبة الـ39 من بين الدول الاكثر اجهاداً للمياه وانخفاض قياسي بمعدل سقوط الأمطار في العام الماضي 2021 ليكون ثاني اكثر موسم جفاف منذ 40 عام.

وكشفت الأمم المتحدة بان “دراسة استقصائية أجريت عام 2021، شملت 7 محافظات، أن 37٪ من مزارعي القمح و 30٪ من مزارعي الشعير يعانون من فشل المحاصيل، في الوقت نفسه انخفضت الإيرادات والمدخلات وان أهوار العراق بمواردها الطبيعية والتي تمثل سبيل لكسب العيش وخط الدفاع الأول ضد التغيرات المناخية  والأضرار البيئية الا ان انخفاض مستوى المياه في نهري دجلة والفرات تسبب بارتفاع مستويات الملح وتدهور نوعية وجودة المياه مع وجود تبخر سنوي يصل إلى 3 أمتار”.

المزارعين في ذي قار اصبحوا يفكرون بترك الزراعة والبحث عن مهن واعمال اخرى ناضجة بحسب  رئيس الجمعيات الفلاحية السابق مقداد الياسري “اذ ان اكثر من 50% لديهم هذه الفكرة بعد ان وجدوا ان الزراعة لم تكن فاعلة وليس فيها مردود فعلي، ويبحثون عن إمكانية إقامة مشاريع تجارية او أفكار أخرى تتعلق بالجانب الزراعي كتربية المواشي او غيرها”.

مدير الانواء الجوية في الناصرية علي طارق اشار قائلاً ان ذي قار “لم تسجل هطول للأمطار بكميات كافية خلال الموسمين الشتويين الماضيين، اذ بلغت الكميات التي هطلت خلال عامي 2020 و 2021 بحدود 32 ملم وهذا المستوى لم تسجله منذ ما يقارب الـ50 سنة”.

اسباب الجفاف مجتمعة تعصف بذهن المزارع صادق مزهر نحو التفكير في تغيير مهنته بعد ان شاب على زراعة الشلب لعشرات السنين فلعله يجد مهنة توفر له ولعائلته مكسباً مادياً يسد به احتياجاته.

VIAمرتضى الحدود